ولا حرمنا من شيء) فأولئك القدرية وإن كانوا يشبهون المجوس من حيث أنهم أثبتوا فاعلاً لما اعتقدوه شراً غير الله سبحانه، فهؤلاء شابهوا المشركين الذين قالوا (لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء) فالمشركون شر من المجوس، فإن المجوس يقرون (١) بالجزية باتفاق المسلمين، وذهب بعض العلماء إلى حل نسائهم وطعامهم، وأما المشركون فاتفقت الأمة على تحريم نكاح نسائهم، ومذهب الشافعي وأحمد في المشهور عنه وغيرهما أنهم لا يقرون بالجزية، وجمهور العلماء على أن مشركي العربي لا يقرون بالجزية وإن أقرت المجوس، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل الجزية من المشركين بل قال " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وإني رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل ".
والمقصود هنا أن من أثبت القدر واحتج به على إبطال الأمر والنهي فهو شر ممن أثبت الأمر والنهي ولم يثبت القدر، وهذا متفق عليه بين المسلمين وغيرهم من أهل الملل بل من جميع الخلق، فإن من احتج بالقدر وشهود الربوبية العامة لجميع المخلوقات ولم يفرق بين المأمور والمحظور، والمؤمن والكافر، وأهل الطاعة وأهل المعصية، لم يؤمن بأحد من الرسل ولا بشيء من الكتب، وكان عنده آدم وإبليس سواء، ونوح وقومه سواء، وموسى وفرعون سواء، والسابقون الأولون والكافرون سواء. وهذا الضلال قد كثر في كثير من أهل التصوف والزهد والعبادة، لا سيما إذا قرنوا به توحيد أهل الكلام المثبتين للقدر والمشيئة من غير إثبات المحبة والبغض والرضى والسخط، الذين يقولون التوحيد هو توحيد الربوبية، والآلهية عندهم هي القدرة على الاختراع ولا يعرفون توحيد الآلهية، ولا يعلمون أن الإله هو المألوه المعبود، وأن مجرد الإقرار بأن الله رب كل شيء
(١) يقرون بفتح القاف مبني للمفعول أي يقرهم المسلمون على دينهم بأداء الجزية