للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالقدر إما من أهل الكتاب وإما من المسلمين. والشهرستاني نقلها من كتب المقالات، والمصنفون في المقالات ينقلون كثيراً من المقالات من كتب المعتزلة كما نقل الأشعري وغيره ما نقله في المقالات من كتب المعتزلة، فإنهم من أكثر الطوائف وأولها تصنيفاً في هذا الباب، ولهذا توجد المقالات منقولة بعباراتهم فوضعوا هذه المناظرة على لسان إبليس، كما رأينا كثيراً منهم يضع كتاباً أو قصيدة على لسان بعض اليهود أو غيرهم، ومقصودهم بذلك الرد على المثبتين للقدر، يقولون أن حجة الله على خلقه لا تتم إلا بالتكذيب بالقدر، كما وضعوا في مثالب ابن كلاب أنه كان نصرانياً لأنه أثبت الصفات وعندهم من أثبت الصفات فقد أشبه النصارى، وتتلقى أمثال هذه الحكايات بالقبول من المنتسبين إلى السنة ممن لم يعرف حقيقة أمرها.

والمقصود هنا أن الآية الكريمة حجة على هؤلاء وهؤلاء: حجة على من يحتج بالقدر فإن الله تعالى أخبر أنه عذبهم بذنوبهم، فلو كانت حجتهم مقبولة لم يعذبهم، وحجة على من كذب بالقدر، فإن سبحانه أخبر أن الحسنة من الله وأن السيئة من نفس العبد، والقدرية متفقون على أن العبد هو المحدث للمعصية كما هو المحدث للطاعة، والله عندهم ما أحدث هذا ولا هذا، بل أمر بهذا ونهى عن هذا، وليس عندهم لله نعمة أنعمها على عباده المؤمنين في الدين إلا وقد أنعم بمثلها على الكفار، فعندهم أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبا لهب مستويان في نعمة الله الدينية، إذ كل منهما أرسل إليه الرسول وأجبر على الفعل وأزبحت علته، لكن هذا فعل الإيمان بنفسه من غير أن يخصه بنعمة آمن بها، وهذا فعل الكفر بنفسه من غير أن يفضل الله عليه ذاك المؤمن ولا خصه بنعمة آمن لأجلها، وعندهم أن الله حبب الإيمان إلى الكفار كأبي لهب وأمثاله كما حببه إلى المؤمنين كعلي رضي الله عنه وأمثاله، وزينه في قلوب الطائفتين، وكره الكفر والفسوق والعصيان إلى الطائفتين

<<  <  ج: ص:  >  >>