للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سواء، لكن هؤلاء كرهوا ما كرهه الله إليهم بغير نعمة خصهم بها، وهؤلاء لم يكرهوا ما كرهه الله إليهم.

ومن توهم منهم أو من نقل عنهم أن الطاعة من الله والمعصية من العبد فهو جاهل بمذهبهم، فإن هذا لم يقله أحد من علماء القدرية ولا يمكن أن يقوله، فإن أصل قولهم أن فعل العبد للطاعة كفعله للمعصية، كلتاهما فعله بقدرة تحصل له من غير أن يخصه بإرادة خلقاه فيه تختص بأحدهما، ولا قوة جعلها فيه تختص بأحدهما، فإذا احتجوا بهذه الآية على مذهبهم كانوا جاهلين بمذهبهم وكانت الآية حجة عليهم لا لهم، لأنه تعالى قال (قل كل من عند الله) وعندهم ليس الحسنات المفعولة ولا السيئات المفعولة من عند الله بل كلاهما من العبد، وقوله تعالى (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك) مخالف لقولهم، فإن عندهم الحسنة المفعولة والسيئة المفعولة من العبد لا من الله سبحانه.

وكذلك من احتج من مثبتة القدر بالآية على إثباته إذا احتج بقوله تعالى (قل كل من عند الله) كان مخطئاً فإن الله ذكر هذه الآية رداً على من يقول الحسنة من الله والسيئة من العبد، ولم يقل أحد من الناس أن الحسنة المفعولة من الله والسيئة المفعولة من العبد.

وأيضاً فإن نفس فعل العبد وإن قال أهل الإثبات أن الله خلقه وهو مخلوق له ومفعول له فإنهم لا ينكرون أن العبد هو المتحرك بالأفعال، وبه قامت، ومنه نشأت، وإن كان الله خلقها.

وأيضاً فإن قوله بعد هذا (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك) يمتنع أن يفسر بالطاعة والمعصية، فإن أهل الإثبات لا يقولون أن الله خالق إحداهما دون الأخرى، بل يقولون بأن الله خالق لجميع الأفعال وكل الحوادث.

<<  <  ج: ص:  >  >>