من أعمال العباد ابتداء كالقول فيما يخلقه جزاء من هذا الوجه وإن افترقا من وجه آخر، وهم لا يمكنهم أن يفرقوا بينهما بفرق يعود إلى كون هذا فعلاً لله دون هذا، وهذا فعلاً للعبد دون هذا، لكن يقولون هذا يحسن من الله تعالى لكونه جزاء للعبد، وذلك لا يحسن منه لكونه ابتدأ العبد بما يضره، وهم يقولون لا يحسن منه أن يضر الحيوان إلا بجرم سابق، أو عوض لاحق.
وأما أهل الإثبات للقدر فمن لم يعلل منهم لا يفرق بين مخلوق ومخلوق. وأما القائلون بالحكمة وهم الجمهور فيقولون لله تعالى فيما يخلقه من الحيوان حكم عظيمة كما له حكم في غير هذا، ونحن لا نحصر حكمته في الثواب والعوض فإن هذا قياس لله تعالى على الواحد من الناس وتمثيل لحكمة الله وعدله بحكمة الواحد من الناس وعدله.
والمعتزلة مشبهة في الأفعال معطلة في الصفات، ومن أصولهم الفاسدة أنهم يصفون الله بما يخلقه في العالم، إذ ليس عندهم صفة لله قائمة به ولا فعل قائم به يسمونه به، ويصفونه بما يخلقه في العالم: مثل قولهم هو متكلم بكلام بخلقه في غيره ومريد بإرادة يحدثها لا في محل، وقولهم أن رضاه وغضبه وحبه وبغضه هو نفس المخلوق الذي يخلقه من الثواب والعقاب، وقولهم أنه لو كان خالقاً لظلم العبد وكذبه لكان هو الظالم الكاذب، وأمثال ذلك من الأقوال التي إذا تدبرها العاقل علم فسادها بالضرورة. ولهذا اشتد تكبر السلف والأئمة عليهم، لا سيما لما أظهروا القول بأن القرآن مخلوق، وعلم السلف أن هذا في الحقيقة هو إنكار لكلام الله تعالى، وإنه لو كان كلامه هو ما يخلقه للزم أن يكون كل كلام مخلوق كلاماً له، فيكون إنطاقه للجلود يوم القيامة وإنطاقه للجبال والحصى بالتسبيح وشهادة الأيدي والأرجل ونحو ذلك كلاماً له، وإذا كان خالقاً لكل شيء كان كل كلام موجود كلامه وهذا قول الخلولية والجهمية كصاحب الفصوص وأمثاله ولهذا يقولون:
وكل كلام في الوجود كلامه ... سواء علينا نثره ونظامه