لا يتصف بما خلقه في غيره من الطعوم والألوان والروائح والأشكال والمقادير والحركات وغير ذلك، فإذا كان قد خلق لون الإنسان لم يكن هو المتلون به، وإذا خلق رائحة منتنة أو طعماً مراً أو صورة قبيحة ونحو ذلك مما هو مكروه مذموم مستقبح لم يكن هو متصفاً بهذه المخلوقات القبيحة المذمومة المكروهة والأفعال القبيحة. ومعنى قبحها كونها ضارة لفاعلها، وسبباً لذمه وعقابه، وجالبة لألمه وعذابه. وهذا أمر يعود على الفاعل الذي قامت به لا على الخالق الذي خلقها فعلاً لغيره.
ثم على قول الجمهور الذين يقولون له حكمة فيما خلقه في العالم مما هو مستقبح وضار ومؤذ يقولون: له فيما خلقه من هذه الأفعال القبيحة الضارة لفاعلها حكمة عظيمة كما له حكمة عظيمة فيما خلقه من الأمراض والغموم. ومن يقول لا تعلل أفعاله لا يعلل لا هذا ولا هذا. يوضح ذلك أن الله تعالى إذا خلق في الإنسان عمى ومرضاً وجوعاً وعطشاً ووصباً ونصباً ونحو ذلك كان العبد هو المريض الجائع العطشان المتألم، فضرر هذه المخلوقات وما فيها من الأذى والكراهة عاد إليه ولا يعود إلى الله تعالى شيء من ذلك، فكذلك ما خلق فيه من كذب وظلم وكفر ونحو ذلك هي أمور ضارة مكروهة مؤذية. وهذا معنى كونها سيئات وقبائح، أي أنها تسوء صاحبها وتضره، وقد تسود أيضاً غيره وتضره كما أن مرضه ونتن ريحه ونحو ذلك قد يسوء غيره ويضره.
يبين ذلك أن القدرية سلموا أن الله قد يخلق في العبد كفراً وفسوقاً على سبيل الجزاء كما في قوله تعالى (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة) وقوله (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً) وقوله (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) .
ثم إنه من المعلوم أن هذه المخلوقات تكون فعلاً للعبد وكسباً له يجزى عليها ويستحق الذم عليها والعقاب وهي مخلوقة لله تعالى، فالقول عند أهل الإثبات فيما يخلقه