للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كمل بفعله الذي لا يحتاج فيه إلى غيره كان كما لو قيل كمل بصفاته أو بذاته.

الرابع قول القائل كان قبل ذلك ناقصاً إن أراد به عدم ما تجدد فلا نسلم إن عدمه قبل ذلك الوقت الذي اقتضت الحكمة وجوده فيه يكون نقصاً، وإن أراد بكونه ناقصاً معنى غير ذلك فهو ممنوع، بل يقال عدم الشيء في الوقت الذي لم تقتض الحكمة وجوده فيه من الكمال، كما أن وجوده في وقت اقتضاء الحكمة وجوده كمال. فليس عدم كل شيء نقصاً، بل عدم ما يصلح وجوده هو النقص، كما أن وجود ما لا يصلح وجوده نقص، فتبين أن وجود هذه الأمور حين اقتضت الحكمة عدمها هو النقص لا أن عدمها هو النقص. ولهذا كان الرب تعالى موصوفاً بالصفات الثبوتية المتضمنة لكماله وموصوفاً بالصفات السلبية المستلزمة لكماله أيضاً. فكان عدم ما ينفي عنه هو من الكمال كما أن وجود ما يستحق ثبوته من الكمال. وإذا عقل مثل هذا في الصفات فكذلك في الأفعال ونحوها، وليس كل زيادة يقدرها الذهن من الكمال، بل كثير من الزيادات تكون نقصاً في كمال المزيد، كما يعقل مثل ذلك في كثير من الموجودات. والإنسان قد يكون وجود أشياء في وقت نقصاً وعيباً في حقه وفي وقت آخر كمالاً ومدحاً في حقه، كما يكون في وقت مضرة له وفي وقت منفعة له.

الخامس إنا إذا قدرنا من يقدر على إحداث الحوادث لحكمة ومن لا يقدر على ذلك كان معلوماً ببديهة العقل أن القادر على ذلك أكمل، مع أن الحوادث لا يمكن وجودها إلا حوادث لا تكون قديمة، وإذا كانت القدرة على ذلك أكمل وهذا المقدور لا يكون إلا حادثاً كان وجوده هو الكمال وعدمه قبل ذلك من تمام الكمال، إذا عدم الممتنع الذي هو شرط في وجود الكمال.

ثم الجمهور القائلون بهذا الأصل هنا ثلاث فرق (فرقة) تقول إرادته وحبه ورضاه ونحو هذا قديم، ولم يزل راضياً عمن علم أنه يموت مؤمناً، ولم يزل ساخطاً على من علم أنه يموت كافراً، كما يقول ذلك من يقوله من الكلابية وأهل الحديث

<<  <  ج: ص:  >  >>