للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان مقصوده إخباره إياهم عن بدء خلق السموات والأرض وما بينهما وهي المخلوقات التي خلقت في ستة أيام لا بابتداء ما خلقه الله قبل ذلك.

الوجه الخامس أنه ذكر تلك الأشياء بما يدل على كونها ووجودها، ولم يتعرض لابتداء خلقها، وذكر السموات والأرض بما يدل على خلقها، وسواء كان قوله " وخلق السموات والأرض " أو " ثم خلق السموات والأرض " فعلى التقديرين أخبر بخلق ذلك، وكل مخلوق محدث كائن بعد أن لم يكن، وإن كان قد خلق من مادة، كما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " خلق الله الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم " فإن كان لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم " ثم خلق " فقد دل على أن خلق السموات والأرض بعد ما تقدم ذكره من كونه عرشه على الماء ومن كتابته في الذكر، وهذا اللفظ أولى بلفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فيه من تمام البيان وحصول المقصود بلفظ الترتيب، وإن كان لفظه الواو فقد دل سياق الكلام على أن مقصوده أنه خلق السموات والأرض بعد ذلك، وكما دل على ذلك سائر النصوص فإنه قد علم أنه لم يكن مقصوده الإخبار بخلق العرش ولا الماء فضلاً عن أن يقصد أن خلق ذلك كان مقارناً لخلق السموات والأرض، وإذا لم يكن في اللفظ ما يدل على خلق ذلك إلا مقارنة خلقه لخلق السموات والأرض وقد أخبر عن خلق السموات مع كون ذلك علم أن مقصوده أنه خلق السموات والأرض حين كان العرش على الماء كما أخبر بذلك في القرآن، وحينئذ يجب أن يكون العرش كان على الماء قبل خلق السموات والأرض كما أخبر بذلك في الحديث الصحيح حيث قال " قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء " فأخبر أن هذا التقدير السابق لخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة حين كان عرشه على الماء.

<<  <  ج: ص:  >  >>