للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يكن قادراً ثم صار قادرة على الكلام أو الفعل مع أنه وصف له فإنه يقتضي أنه كان ناقصاً عن صفة القدرة التي هي من لوازم ذاته والتي هي من أظهر صفات الكمال، فهو ممتنع في العقل بالبرهان اليقيني، فإنه إذا لم يكن قادراً ثم صار قادراً فلا بد من أمر جعله قادراً بعد أن لم يكن، فإذا لم يكن هناك إلا العدم المحض امتنع أن يصير قادراً بعد أن لم يكن، وكذلك يمتنع أن يصير عالماً بعد أن لم يكن قبل هذا، بخلاف الإنسان فإنه كان غير عالم ولا قادر ثم جعله غيره عالماً قادراً وكذلك إذا قالوا كان غير متكلم ثم صار متكلماً.

وهذا مما أورده الإمام أحمد على الجهمية إذ جعلوه كان غير متكلم ثم صار متكلماً. قال: كالإنسان، قال: فقد جمعتم بين تشبيه وكفر. وقد حكيت ألفاظه في غير هذا الموضع (١) .

وإذا قال القائل: كان في الأزل قادراً على أن يخلق فيما لا يزال، كان هذا كلاماً متناقضاً لأنه في الأزل عندهم لم يكن يمكنه أن يفعل، ومن لم يمكنه الفعل في


(١) قال الإمام أحمد في كتاب الرد على الزنادقة والجهمية الذي نقله الخلال واعتمده عليه القاضي أبو يعلى وغيره: فلما ظهرت عليه الحجة قال أن الله قد يتكلم ولكن كلامه مخلوق، قلنا وكذلك بنو آدم كلامهم فقد شبهتم الله بخلقه حتى زعمتم أن كلامه مخلوق ففي مذهبكم في وقت من الأوقات لا يتكلم حتى خلق التكلم وكذلك بنو آدم كانوا ولا يتكلمون حتى خلق لهم كلاما. فقد جمعتم بين كفر وبين تشبيهه تعالى الله عن هذه الصفة، بل نقول أن الله لم يزل متكلما أزلا ولا نقول أنه كان لا يتكلم حتى خلق كلاما فتكلم، ولا نقول أنه كان لا يعلم حتى خلق علماً فعلم، ولا نقول أنه كان ولا قدرة حتى خلق لنفسه قدرة. ولا نقول قد كان في وقت من الأوقات ولا علم له حتى خلق علما فعلم، والذي لا يعلم هو جاهل، ولا نقول أنه قد كان في وقت من الأوقات ولا قدرة له حتى خلق قدرة، والذي ليس له قدرة عاجز. ولكن نقول لم يزل الله عالما قادراً متكلماً بلا متى ولا كيف

<<  <  ج: ص:  >  >>