وقد أخبر سبحانه أنه (استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرها قالتا أتينا طائعين) فخلقت من الدخان. وقد جاءت الآثار عن السلف أنها خلقت من بخار الماء، وهو الماء الذي كان العرش عليه، المذكور في قوله (وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء) فقد أخبر أنه خلق السموات والأرض في مدة ومن مادة ولم يذكر القرآن خلق شيء من لا شيء، بل ذكر أنه خلق المخلوق بعد أن لم يكن شيئاً كما قال (وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً) مع إخباره أنه خلقه من نطفة.
وقوله (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون) فيها قولان، فالأكثرون على أن المراد أم خلقوا من غير خالق بل من العدم المحض؟ كما قال تعالى (وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه) كما قال تعالى (وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه) وقال تعالى (وما بكم من نعمة فمن الله) وقيل: أم خلقوا من غير مادة، وهذا ضعيف لقوله بعد ذلك (أم هم الخالقون) فدل ذلك على أن التقسيم أم خلقوا من غير خالق أم هم الخالقون؟ ولو كان المراد من غير مادة لقال: أم خلقوا من غير شيء أم من ماء معين؟ فدل على أن المراد أنا خالقهم لا مادتهم، ولأن كونهم خلقوا من غير مادة ليس فيه تعطيل وجود الخالق، فلو ظنوا ذلك لم يقدح في إيمانهم بالخالق بل دل على جهلهم، ولأنهم لم يظنوا ذلك ولا يوسوس الشيطان لابن آدم بذلك، بل كلهم يعرفون أنهم خلقوا من آبائهم وأمهاتهم، ولأن اعترافهم بذلك لا يوجب إيمانهم ولا يمنع كفرهم. والاستفهام استفهام إنكار مقصوده تقريرهم أنهم لم يخلقوا من غير شيء، فإذا أقروا بأن خالقاً خلقهم نفعهم ذلك، وأما إذا أقروا بأنهم خلقوا من مادة لم يغن ذلك عنهم من الله شيئاً.
الوجه الخامس عشر أن الإقرار بأن الله لم يزل يفعل ما يشاء ويتكلم بما يشاء هو وصف الكمال الذي يليق به وما سوى ذلك نقص يجب نفيه عنه، فإن كونه