الخطاب لحاطب (١) بن أبي بلتعة " يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق " فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله أطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم؟ " وهذا في الصحيحين. وفيهما أيضاً: من حديث الأفك: أن أسيد بن الحضير قال لسعد بن عبادة: أنك منافق تجادل عن المنافقين، واختصم الفريقان فأصلح النبي صلى الله عليه وسلم بينهم. فهؤلاء البدريون فيهم من قال لآخر منهم أنك منافق، ولم يكفر النبي صلى الله عليه وسلم لا هذا ولا هذا، بل شهد للجميع بالجنة.
وكذلك ثبت في الصحيحين عن أسامة بن زيد أنه قتل رجلاً بعد ما قال لا إله إلا الله وعظم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لما أخبره وقال " يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟ " وكرر ذلك عليه حتى قال أسامة: تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ. ومع هذا لم يوجب عليه قوداً ولا دية ولا كفارة، لأنه كان متأولاً ظن جواز قتل ذلك القائل لظنه أنه قالها تعوذاً.
فهكذا السلف قاتل بعضهم بعضاً من أهل الجمل وصفين ونحوهم وكلهم مسلمون مؤمنون كما قال تعالى (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغى حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين) فقد بين الله تعالى أنهم مع اقتتالهم وبغي بعضهم على بعض أخوة مؤمنون وأمر بالإصلاح بينهم بالعدل. ولهذا كان السلف مع الاقتتال يوالي بعضهم بعضاً موالاة الدين لا يعادون كمعاداة الكفار، فيقبل بعضهم شهادة بعض، ويأخذ بعضهم العلم من بعض، ويتوارثون ويتناكحون ويتعاملون بمعاملة المسلمين بعضهم مع بعض مع ما كان بينهم من القتال والتلاعن وغير ذلك.
وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ربه " أن لا يهلك أمته بسنة عامة أعطاه ذلك، وسأله أن لا يسلط عليهم عدواً من غيرهم فأعطاه ذلك، وسأله أن