وذلك أن المعاوضة كالمبايعة والمؤاجرة مبناها على المعادلة والمساواة من الجانبين، لم يبذل أحدهما ما بذله، إلا ليحصل له ما طلبه. فكل منهما آخذ معط طالب مطلوب. فإذا تلف المقصود بالعقد المعقود عليه قبل التمكن من قبضه - مثل تلف العين المؤجرة قبل التمكن من قبضها وتلف ما بيع بكيل أو وزن قبل تمييزه بذلك وإقباضه ونحو ذلك - لم يجب على المؤخر أو المشتري أداء الأجرة أو الثمن.
ثم إن كان التلف على وجه لا يمكن ضمانه وهو التلف بأمر سماوي بطل العقد ووجب رد الثمن إلى المشتري إن كان قبض منه، وبرئ منه إن لم يكن قبض، وإن كان على وجه يمكن فيه الضمان وهو أن يتلفه آدمي يمكن تضمينه فللمشتري الفسخ لأجل تلفه قبل التمكن من قبضه وله الإمضاء لإمكان مطالبة المتلف، فإن فسخ كانت مطالبة المتلف للبائع وكان للمشتري مطالبة البائع بالثمن إن كان قبضه، وإن لم يفسخ كان عليه الثمن وله مطالبة المتلف، لكن المتلف لا يطالب إلا بالبدل الواجب بالإتلاف، والمشتري لا يطالب إلا بالمسمى الواجب بالعقد، ولهذا قال الفقهاء من أصحابنا وغيرهم: إن المتلف إما أن يكون هو البائع أو المشتري أو ثالثاً أو يكون بأمر سماوي، فإن كان هو المشتري فإتلافه كقبضه يستقر به العوض، وإن كان بأمر سماوي انفسخ العقد، وإن كان ثالثاً فالمشتري بالخيار، وإن كان المتلف هو البائع فأشهر الوجهين أنه كإتلاف الأجنبي، والثاني أنه كالتلف السمائي.
وهذا الأصل مستقر في جميع المعاوضات إذا تلف المعقود عليه قبل التمكن من القبض تلفاً لا ضمان فيه انفسخ العقد، وإن كان فيه الضمان كان في العقد الخيار. وكذلك سائر الوجوه التي يتعذر فيها حصول المقصود بالعقد من غير إياس، مثل أن يغصب المبيع أو المستأجر غاصب، أو يفلس البائع بالثمن، أو يتعذر فياه ما تستحقه الزوجة من النفقة والمتعة والقسم، أو ما يستحقه الزوج من المتعة