فإن بدا أن هناك اختلافا بين تطبيق رسالة الوحي واستخدام العقل، كان منشأ هذا الاختلاف: إما تحريف في نص رسالة الوحي، أو سوء في استخدام العقل، والمحرف للرسالة السماوية، وكذلك المسيء لاستخدام العقل الإنساني، وهو: الإنسان هنا وهناك، وليس الملك الذي نزل بالوحي، ولا الرسول المصطفى لتبليغ الرسالة!
طبيعة الوحي يجب أن توافق طبيعة العقل الإنساني إذن؛ لأنهما معا مصدر هداية, صدرا لغاية واحدة من كامل كمالا مطلقا.
وتحريف الكتاب المنزل بتخريج نصوصه تخريجا يبعده عن هدفه، تحت التأثر بعوامل شخصية، أو التأثر بمذهب معين, عمل من شأنه أن يحول بين انسجام الكتاب المنزل والعقل السليم في الإنسان!
والدخول في بحث العقل للكتاب المنزل وللرسالة الإلهية، بعد الاعتقاد بعقيدة خاصة، أو قبل التخلي عن المؤثرات المغرضة يجعل من الصعب أن يوافق مثل هذا العقل الباحث أهداف الكتاب السماوي، ورسالة الله في جماعة الإنسان!
والإنسان هو الذي يخرج الكتاب تخريجا فيه بعد أو مجافاة لهدفه الأصيل، والإنسان نفسه هو الذي يميل بالعقل الإنساني نحو عقيدة خاصة أو جهة معينة، وينحرف به عن أن يكون العقل الخالص، الذي فطر الله الإنسان عليه!! وبذلك يكون الإنسان هو الذي حال دون أن يوافق الكتاب العقل، ودون أن يوافق العقل الكتاب، وليست طبيعة كل منهما هي التي حالت دون ذلك.
وابن رشد -قبل محمد عبده- كتب كتابه:"فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال" وكذلك كتب ابن تيمية كتابه: "موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول".
- وابن رشد: وإن هدف فيما كتبه في الكتاب السابق إزالة الخلاف بين الفكر الإغريقي والإسلام، إلا أنه أسس ذلك على عدم التنافر بين طبيعية الدين كدين، وطبيعة العقل كعقل.
- والثاني: وهو ابن تيمية وإن قصد مباشرة إلى عيب الفكر الإغريقي ونقضه، إلا أنه في الوقت نفسه برهن على أن طبيعة الدين -فيما ينقل