للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الواحدة جماعات وشعوبا وطوائف، بينها فواصل منيعة، تحول الفواصل دون تجاوبها لتوجيه واحد، ولغاية واحدة، ودون سيرها في اتجاه واحد، ولغاية واحدة. وهي فواصل هذه التبعية، أو فواصل التعصب البغيض الناشئ عن الحزبية الجامحة.

وجد الشيخ محمد عبده انقسام الجماعة الإسلامية على هذا النحو. وجد فجوة واضحة بين المتكلمين بعضهم تجاه بعض. وفجوة أشد من هذه وضوحا بين المتكلمين جميعا من جانب وأرباب العقل والفلسفة من جانب آخر. كما وجد أرباب المذاهب الفقهية وهي مذاهب التوجيه في معاملات الناس بعضهم لبعض، وفي عبادة الناس لخالقهم، يتنابذون في الخصومة, ويعرضون قيمهم البشرية للتجريح، وقيمهم المذهبية في سلوكهم الديني للأخذ والرد، على نحو ما يوجد في كتب الفقهاء المتأخرين.

لهذا لم يجد مناصا من أن يعرض لقيم هذه المذاهب، ولم يجد مناصا كذلك من أن يكون تقديره إياها بحيث لا يجعل لواحد منها رجحانا مطلقا على آخر، وبذلك تكون وضعية هذه المذاهب أمام المجتمع الإسلامي وضعية الشارح لأول الإسلام وتعاليمه، الذي من شأنه أن يصيب ويخطئ؛ لأن هذا الشارح إنسان، ومن أجل ذلك لا يحق لمذهب منها، فضلا عن المتابعين له، وأن يدعي أنه هو الحق على الإطلاق، أو أنه يمثل الإسلام كصورة تامة له.

وتناول محمد عبده عرض قيم هذه المذاهب:

- في بيانه لـ"علم الكلام" وفي الوقت نفسه في موقفه هو من علم "التوحيد".

- وكذلك: في رأيه في تحديد "الفرقة الناجية" من بين الفرق الكلامية:

ففي تقديره لبحوث "المتكلمين" الإلهية خالف معاصريه، وخالف التقدير السائد إذ ذاك لعلم التوحيد، وقد كان المعاصرون له في الأزهر يرون أن علم التوحيد -وما دار في كتبه من أخذ ورد في عرض أدلة الفرق الكلامية على مذهبهم- وسيلة إيجابية, ومنهج واجب الاتباع، في تنشئة الاعتقاد الصحيح بالله بين المسلمين، ولهذا تلي منزلته -في مواد الثقافة الإسلامية الموجهة -منزلة القرآن الكريم وعلومه، أي: تلي مباشرة المباحث التي تتعلق بالمصدر الأصيل للإسلام.

<<  <   >  >>