للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خالف محمد عبده هذا التقدير، ورأى رأي "الغزالي" -ومن قبل الغزالي إمام الحرمين "أبو المعالي الجويني"- في أن علم الكلام يصلح أن يكون وسيلة من وسائل الدربة الذهنية، والتمرينات العقلية، ولكنه لا يصلح بحال أن يكون وسيلة لتنشئة العقيدة الإسلامية، أو تدعيم الإيمان بها!! وأصلح الوسائل لذلك منهج القرآن نفسه في عرض الدعوة الإسلامية، ومطالبة الناس باتباع ما يدعو إليه الإسلام، إنه منهج "الإقناع": ذلك المنهج الذي يراعي الفطرة الإنسانية العامة، وهي القدر المشترك بين الناس جميعًا. وهو من أجل هذا يلائم الدين، من حيث إنه للكافة، وليس توجيها خاصا لفريق معين في الجماعة الإنسانية، أما علم الكلام في جميع مذاهبه على نحو ما تصور، كتب المتأخرين، فقد بعد باستخدام المنطق الأرسطي عن هذا المنهج، وأصبح بذلك وسيلة الحجاج لدى الخاصة ممن اتصلوا بالفكر الإغريقي، واستمرءوا منطقه الصوري في البرهنة.

أما بالنسبة لتحديد "الفرقة الناجية" بفرقة خاصة من بين فرق المتكلمين, فيتجلى موقف محمد عبده في تعليقه على شرح "الرسالة العضدية١.. وشارح هذه الرسالة أصلا هو جلال الدين الصديقي الدواني، المتوفى سنة ١٠٦٧هـ، وقد استهل رسالته بقوله:

"وقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "ستفترق أمتي ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار، إلا واحدة"، قيل: ومن هم؟ قال: "الذين هم على ما أنا عليه وأصحابي" ثم بعد أن أورد المؤلف الحديث عمد إلى تحديد هذه الفرقة الواحدة الناجية بقوله: "وهذه عقائد الفرقة الناجية وهم الأشاعرة"".

وبعد أن انتهى من هذا التحديد عقب الشيخ محمد عبده بقوله: "لا بد لنا أن نتكلم في هذا الحديث بكلام موجز، فاسمع واعلم أن الحديث قد أفادنا:

١- أنه يكون في الأمة فرق متفرقة.

٢- وأن الناجي منهم واحدة.

٣- وقد بينها النبي، بأنها هي التي على ما هو عليه وأصحابه.


١ لعضد الدين الإيجي، المتوفى سنة ٧٥٦هـ "١٣٥٥م".

<<  <   >  >>