"فالقرآن سر نجاح المسلمين، ولا حيلة في تلافي أمرهم إلا إرجاعهم إليه، وما لم تقرع صيحته أعماق قلوبهم وتزلزل هزته رواسي طباعهم، فالأمل مقطوع من هبوبهم من نومهم، ولا بد أن يؤخذ القرآن من أقرب وجوهه، على ما ترشد إليه أساليب اللغة العربية، ليستجاب لدعوته، كما استجاب لها رعاة الغنم وساقة الإبل ممن نزل القرآن بلغتهم، والقرآن قريب لطالبه، متى كان عارفا باللغة العربية، ومذاهب العرب في الكلام، وتاريخهم وعوائدهم أيام الوحي"١.
وبهذا اعتقد الشيخ محمد عبده أنه صان وحدة الجماعة الإسلامية. وعمل على تماسكها من جديد.
وربما يكون طريقه إلى ذلك أنجح من طريق "الأشعري" ثم من طريق "ابن تيمية" بعده في محاولة كل منهما تخفيف حدة المذاهب الإسلامية وإرجاع المسلمين إلى الكتاب والسنة، وإلى الوحدة الأولى للجماعة الإسلامية.
- لأن "الأشعري" قامت محاولته: على إقرار بعض الآراء من هذا المذهب وعدم إقراره للبعض الآخر منه، ثم انتخابه بعض آراء أخرى من مذهب آخر وتركه البعض الآخر فيه. وهكذا ... ثم ضم المنتخب، الذي أقره بعضه إلى بعض، في وحدة سماها: مذهب "أهل السنة والجماعة".
- وكذلك فعل "ابن تيمية" في نطاق أوسع: فما قبله من الآراء برهن على صحته، وما رفضه منها برهن من الشرع والعقل على عدم اعتباره.
ومن شأن مثل هذه المحاولة أن تبقي على القيمة الدينية لبعض الآراء الكلامية، وهي الآراء التي قبلت من صاحب المحاولة وذلك يؤدي بدوره إلى أن هذه القيمة لها صلة بالعقيدة من حيث تكوينها، أو توقيتها وتأكيدها.
- وهذا ما لم يقبله الشيخ محمد عبده، إذ جعلها قاصرة على الدربة الذهنية، وأوضح أن سبيل العقيدة يجب أن يكون هو السبيل الذي حدده القرآن الكريم في عرض دعوته.