للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وطالما كانت هناك قيمة عقيدية باقية للمذاهب في جملتها، فالتبعية باقية له.

وعندئذ ليس هناك ضمان أن تعود لهذه التبعية سلطاتها، وبذلك تعود فجوة الفرقة إلى قوتها الأولى، وتتفتت وحدة الجماعة من جديد عن طريق ذلك.

والشيخ محمد عبده إذ يدعو المسلم إلى التحرر من التبعية الحزبية المطلقة والمذهبية.. يدعوه أيضا أن يكون ذا شأن ورأي، وله سلطة النقد، واختيار أسلوب التوجيه، وتكييف أحداث الحياة.. يدعوه إلى أن يفكر كإنسان، ولكن عليه -ضمانا لنجاح تفكيره، وسلامة هذا التفكير- أن يستهدي القرآن ويسترشده.. يدعوه إلى "الاجتهاد" ونبذ "التقليد"، يقول في تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ الصَّمَدُ} :

"ثم -هو الله- "الصمد" في تحديد الحدود العامة للأعمال، ووضع أصول الشرائع، فلا بد أن يرد إلى ما أنزل جميع ما يقع الاختلاف فيه. وليس من المباح أن يرجع إلى قول غيره، متى نطق صريح كتابه بخلافه، وعلى الناس كافة أن يرجعوا إلى الكتاب. فإذا لم يكونوا عارفين به, رجعوا إلى العارف وطالبوه بالدليل منه. وعليهم أن يهتموا بأن يعرفوا منه أصول ما يعتقدون وما يعملون. فإذا لم يفعلوا اختلفت الآراء، وحجبت المذاهب كتاب الله فدرس معناه، وذهبت الحكمة من إنزاله.. لتعلق الناس بقول غير المعصوم، وعماهم عن هدى المعصوم، فكانوا بمنزلة من لم تأتهم رسالة. وإنما يعملون بما يقول لهم زعماؤهم، الذي لا يجدون دليلا على امتيازهم بالزعامة، فيكونون متمسكين بما لم ينزل به الله سلطانا، فسيقعون في مهاوي الشقاق الدنيوي والأخروي"١.

آمن الشيخ محمد عبده بأن للإنسان وجودا ذاتيا وكيانا مستقلا في هذا العالم، والدعى بأن للإنسان وجودا ذاتيا، يستتبع منطقها إقرار إمكان الإنسان فهم نصوص الكتاب المنزل، والتفقه على أساس منها، وذلك هو ما يعرف "بالاجتهاد" إذ الاجتهاد هو التفتيش في مصدر الجو الديني الأصيل، كي يطبع حالا معينة أو حادثة جديدة بطابع هذا الجو، بحيث لا يبدو شذوذ، ولا نفرة عن ذلك الجو الأصيل!


١ تفسير جزء عم: ١٧٨.

<<  <   >  >>