للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن هنا لا يتردد الشيخ محمد عبده في القول بإباحة الاجتهاد ونبذ التقليد!

وسبب الدعوة إلى الاجتهاد عنده هو طبيعة الحياة، وضرورات المجتمع الإنساني: فالحياة الإنسانية صائرة ومتطورة، ويجد فيها من الأحداث والمعللات اليوم، ما لا يعرفه أمس هذه الجماعة. والاجتهاد هو الوسيلة العلمية، والنظرية المشروعة، للملاءمة بين أحداث الحياة المتجددة وتعاليم الإسلام العامة. ولو وقف الأمر بتعاليم الإسلام عند حد تفقه الأئمة السابقة لسارت الحياة الإنسانية في الجماعة الإسلامية في عزلة عن التوجيه الإسلامي، وبقيت أحداث هذه الحياة في بعد عن تحديد الإسلام لها وتكييفها بالكيفية الإسلامية، وهذا وضع سيحرج المسلمين في إسلامهم وفي حياتهم معا! فإما أن تخف قيمة الإسلام في نفوسهم، تحت ضغط تيار الحياة وأحداثها، وإما أن يقفوا عن متابعة السير في الحياة فيصيروا في عزلة عن الحياة نفسها وضد الحياة وقانونها كذلك!

ومع أن الاجتهاد هو الوسيلة المشروعة والحتمية لامتداد الصيغة الإسلامية لأحداث المجتمع الإنساني في الجماعة الإسلامية، إلا أنه من جانب آخر لا يجوز أن يمارسه إلا من كان على الصفات العلمية التي كان عليها المجتهد الأول في القرون الثلاثة الأولى. ومن أجل ذلك قرر الشيخ محمد عبده جوازه في عصره وبعد عصره، بالشروط التي جاز بها فيما مضى, واحتاط في هذه الشروط احتياطا لا يقل عن احتياط الأوائل فيها.

وكان من الضروري، إذ يجوز الاجتهاد أن ينعى على التقليد؛ لأنه وقف بالعقل الإنساني عند حد معين لا يتجاوزه.

- وذلك يتنافى مع طبيعة العقل ذاته؛ لأن العقل وجد للملاءمة بين الإنسان وظروف الحياة التي يعيش فيها، ولذلك كان هذا العقل مصدر هداية وتوجيه له في حياته، فإن قضى عليه في عصر أن يقف عند حد أنواع الملاءمة التي استنبطت في عصر سابق، كان ذلك خروجا به عن طبيعته، ومثلا لحركته الذاتية في سيره.

- ويتنافى الوقوف به عند زمن معين مع طبيعة الحياة؛ لأن أحداثها ليست أزلية غير متغيرة، بل خصيصتها التغير والتجدد. وإذن، قد يكون ما ناسب أحداثها الماضية من علاج اقتراح من قبل غير مناسب لعلاج الأحداث الجديدة! والحكم بإخضاع هذه الأحداث الجديدة لتكييف

<<  <   >  >>