الماضي وعلاجه قد يؤدي إلى تعسف ومشقة، نتيجة التنافر بين خصائص الأحداث الجديدة والعلاج الذي أخذ به لأحداث سابقة فيما مضى.
- ويتنافى أيضا مع طبيعة المبادئ الإسلامية وخصائصها؛ لأن هذه المبادئ ليست لها طبيعة التوقيت، ولا الخصوص المكاني أو الزماني. فهي للناس كافة، وللإنسانية في أزمنتها المتتابعة، وفي جميع بقاعها. ومقتضى ذلك أنها صالحة لتناول أحداث الحياة، وقادرة على صبغها بالصبغة الإسلامية، وأنها صالحة كذلك لتوجيه الإنسان في الحياة في ظروفها المختلفة.
والشيخ محمد عبده إذ ينعى على التقليد، ينعى عليه لذاته من حيث هو كمبدأ، ثم على وجه أخص ينعى على صورته التي كان عليها في زمنه، وهي التي تتمثل في تبعية حرفية لها شبه قداسة وسلطة.. تبعية لمذاهب واتجاهات ولدتها أو مالت بها عن خط الاستقامة عهود الضعف الفكري، والسياسي، والاقتصادي في الجماعة الإسلامية.. وتبعية لكتب قامت على كثرة الافتراض النظري في تفصيل الآراء، وبعدت بذلك عن الحياة في سيرها الواقعي، وغمضت في أسلوبها، وهدفت إلى توكيد الخصومة المذهبية الجامحة.
ويبين محمد عبده مدى أثر هذا التقليد على علماء الأزهر:
"وإذا وصل إلى أيدي هؤلاء العلماء كتاب فيه غير ما يعلمون لا يعقلون المراد منه!! وغذا عقلوا منه شيئا يروونه ولا يقبلونه!! وإذا قبلوه: حرفوه إلى ما يوافق علمهم وحزبهم، كما جروا عليه في نصوص الكتاب والسنة"١.
فإقرار الاجتهاد وجوازه -في نظر الشيخ محمد عبده- ليس مظهرا لاعتبار الإنسان وتقديره فحسب، بل هو قبل ذلك ضرورة اجتماعية إسلامية، واستمرار عملي للحياة الإسلامية داخل المجتمع الإسلامي.
العقل الإنساني هو العقل الإنساني في كل عصر وجيل.. وموقف الإنسان المسلم من كتاب الله وسنة رسوله في أي جيل، يجب أن يكون هو موقف الإنسان المسلم أول الدعوة في الإسلام، وفي الفترة الذهبية له. هذا