الموقف هو: أن للمسلم المتأخر في الزمان الحق كل الحق في أن يفهم القرآن والسنة الصحيحة، كما كان هذا الحق نفسه للمسلم السابق، على أن تتوافر للمتأخر مقومات الفهم "السليم" على نحو ما عرفها السلف فيما مضى، واعتبرت دستور الاجتهاد أو شروطه، وهذا الحق المشترك بين السابق واللاحق لا يوحي به تحقق الوصف الإنساني لكل منهما فحسب، بل توحي به أيضا الأحداث المتغيرة في الجماعة الإسلامية، وتطور الحياة نفسها بين المسلمين.
فهذه الأحداث خليقة بأن تحمل المسلمين في بيئاتهم المختلفة وأجيالهم المتعاقبة على إخضاع هذه الأحداث نفسها للإسلام، حتى يصبح تصرف المسلمين إزاءها تصرفا إسلاميا ... وبذلك لا يغيش الإسلام في عزلة عن مجرى الحياة العلمية للجماعة الإسلامية!
هذه الأحداث خليقة بحمل المسلمين على ذلك؛ لأنها طارئة على حياتهم، ولم يعرفها أسلافهم من قبل، ولو وقف المتأخرون عند حد ما قطعه السابقون، في الملاءمة بين أحداث الحياة وتعاليم الإسلام، لوجدوا أنفسهم -بعد فترة من الزمن- أنهم أمام هذه الثنائية:
- حياة تسير وتجري في سيرها، لا يستطيعون وقف سيرها وجريانها، وبالتالي لا يستطيعون اتخاذ موقف معين إزاءها.
- وإسلام يعتقدون به، ويرون أن يكون سلوكهم في حياتهم على أساس من تعاليمه وتوجيهه!!
محاربة سلطة الكتاب الموجه، وهو كتاب المتأخرين:
ويرى الشيخ محمد عبده في كتب المتأخرين، والتي ألفت في عهود الركود والضعف -من تأثيرها على التوجيه تأثيرا سلبيا، وحجبها العقل الإسلامي من أن يرى الحياة فيسايرها في أحداثها وتطورها- ما رآه في الحزبية المذهبية من قبل! فكما أن أثر الحزبية المذهبية في الجماعة الإسلامية أثر سلبي على وحدتها وتماسكها من جانب، وعلى الاهتداء بالقرآن نفسه والسنة الصحيحة اهتداء مباشرًا في تكييف الحياة الإنسانية المتجددة من جانب آخر، فكذلك الشأن بالنسبة لكتب المتأخرين.