بين موقف الشيخ عبده وموقف السير سيد أحمد خان: فالممالأة للسلطة القائمة هناك كانت واضحة لتحقيق منفعة شخصية أو لتحقيق خدمات للاستعمار. أما التفاهم هنا في مصر مع ممثل السلطة المحتلة فكان للوقاية، وللحيلولة دون استمرار تنفيذ الخطة الموضوعة لتصفية أوقاف المسلمين، وتوجيهها وجهة أخرى غير التي وقفت عليها من الخيرين!!
ثم إن الشيخ محمد عبده له ماض طويل في الكفاح ضد الاستعمار، سواء وهو بمصر، أو حين كان في باريس، أو في بيروت، أو في شمال إفريقيا، مع أنه لم يعرف للسير "أحمد خان" موقف واحد ضد الاستعمار البريطاني، ولا ضد النفوذ البريطاني في صورة ما في الهند، حتى قبل نقل السلطة من شركة الهند الشرقية الإنجليزية إلى التاج البريطاني سنة ١٨٥٧م!!
يضاف إلى ذلك، أن الشيخ محمد عبده لم يحاول في "إصلاحه الديني" -كما حاول سير أحمد خان- أن يوقف مبدأ من مبادئ الإسلامي الرئيسية كمبدأ الجهاد ولا أن يمالئ المسيحيين في الاعتراف بإنجيل من أناجيلهم الأربعة:"إنجيل متى، وإنجيل لوقا، وإنجيل يوحنا، وإنجيل مرقس" -وهي جميعها تدخل في ما يعرف بـ"العهد الجديد"- بل كتب كتابه المشهور في فضل الإسلام على المسيحية، وهو:"الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية"، في حين كتب السير أحمد خان كتابه:"تبيان الكلام" يدافع فيه عن صحة المسيحية كرسالة من السماء بوضعها الموجود فيه في الأناجيل الأربعة بين المسيحيين.. تلك الإناجيل التي كتبها بعض من الحواريين على حسب رواية كل منهم، وعلى حسب ما تصوره وأدركه شخصيا من تعاليم المسيح.
وقد عاد المرحوم الأستاذ أحمد أمين -بعدما ذكر من وجه الشبه بين السير أحمد خان والشيخ محمد عبده- إلى الحديث عن السير أحمد خان وموقفه من البريطانيين في الهند ... فقال:
"عندما قام الهنود بحركة عنيفة في ثورتهم على الاستعمار البريطاني سنة ١٨٥٧م، وهاج الرأي العام الإنجليزي هياجا شديدا، كان السير أحمد خان متزنا، مخالفا للرأي العام، ورأى أن هذه الثورة لا تأتي بنتيجة، وأن آخر أمرها عودة الإنجليز إلى السيطرة ثانية، من غير فائدة إلا ضحايا الطرفين، وأن قتل الإنجليز وخاصة المدنيين، عمل غير إنساني.. لذلك وضع خطة بذل فيها الجهد مع أصدقائه لحماية الإنجليز من القتل، وإنجاء من تصل إليه أيديهم منهم، فنجا على يده وأيدي أصدقائه كثير،