- وفي تأليفه الشعبي: كتفسيره جزء عم.. وتأليفه الأكاديمي: كدروسه في تفسير القرآن الكريم بالرواق العباسي التي كان يؤمها قادة الشعب من الأقباط والمسلمين وكبار علماء الأزهر.
لقد مارس محمد عبده إذن الجانب العملي في تطبيق فكرتي: التربية والاجتهاد.
بينما وقف محمد عبد الوهاب حارسا على تركة ابن تيمية، وإن كان قد أضاف إلى مجهود الحراسة مجهودا آخر: فإنما هو تأكيده الحرب ضد البدع، وفي إبراز التفرقة بين الشيعة المعتدلة من الإمامية والجماعة السنية!
هذا الاختبار الذي أجراه محمد عبده في تراث جمال الدين الأفغاني، والذي أدى به إلى أن يتخير وسيلة أخرى: هي وسيلة "التربية"، دفع بعض الكتاب إلى أن ينظروا إلى الشيخ محمد عبده -كما تقدم- على أنه تربوي، أو مصلح ديني، وليس لعمله صلة بالسياسة أو الحركات السياسية!! ودفع هؤلاء الكتاب بالتالي إلى أن يحكموا على نشاط محمد عبده بأنه في اتجاه يغاير تماما اتجاه جمال الدين الأفغاني.
ولكن إذا قصد بالسياسة العمل على تخليص البلاد الإسلامية من الاستعمار الغربي، أو قصد بها مقاومة الاستعمار ... فإن كلا من جمال الدين ومحمد عبده، هدف إلى مقاومة الاستعمار الغربي، وتخليص البلاد الإسلامية من هذا الاستعمار! فالغاية لم تتخلف عند أحدهما، والأسس التي يجب أن تؤدي إلى ذات الغاية لم تتغير في نظر واحد منهما أيضا.
كذلك يحاول بعض الكتاب، أن يضع فراغا آخر بين جمال الدين ومحمد عبده وراء الوسيلة عند كل منهما، وهو: أن "جمال الدين" إسلامي عالمي يسعى إلى تكتل المسلمين جميعا نحو حكومة واحدة أو في ظل اتحاد عام، بينما "محمد عبده" وطني مصري قصر نشاطه على وطنه مصر!!
ولكن إذا روعي أن الأسس التي أقام عليها "محمد عبده" ونظامه التربوي، والتي جعلها مقدمة لتخليص البلاد الإسلامية من الاستعمار الغربي، أو لرد الاعتداء الغربي المسيحي على الشرق الإسلامي، هي نفس الأسس التي اتخذ منها "جمال الدين" دعامته في مقاومة الاستعمار الغربي