للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن نتعلم كما يتعلم الأوروبي ... "ولنشعر كما يشعر الأوروبي، ولنحكم كما يحكم الأوروبي، ثم لنعمل كما يعمل الأوروبي، ونصرف الحياة كما يصرفها"١!!

فتجديد الفكر في المجتمع الإسلامي هنا، دعوة إلى مسايرة الأوروبيين: في تفكيرهم وفي خطواتهم في الحياة، وفي فصل الدين عن السياسة، وفي إبعاد الدين واللغة عن مجال الترابط ... "ومن المحقق أن تطور الحياة الإنسانية قد قضى منذ عهد بعيد بأن وحدة الدين، ووحدة اللغة لا تصلحان أساسا للوحدة السياسية، ولا قواما لتكوين الدول"٢.

والأساس الذي قامت عليه فكرة "التجديد" على هذا النحو، عند صاحب "مستقبل الثقافة في مصر" هو أن العقلية المصرية عقلية أوروبية، أو قريبة قربا شديدا من الأوروبية، ولها اتصال وثيق بالعقلية اليونانية، وبعيدة كل البعد عن العقلية الشرقية؟! وهي منذ قديم الزمان -منذ العهد الفرعوني- لم تتأثر بالطارئ عليها في أي عصر، فلم تتغير بالفرس ولا بالرومان، ولا بالعرب أو الإسلام ... يقول:

"وأنا -من أجل ذلك- مؤمن بأن مصر الجديدة لن تبتكر ابتكارًا, ولن تخترع اختراعًا، ولن تقوم إلا على مصر القديمة الخالدة "الفرعونية! " ... وبأن مستقبل الثقافة في مصر لن يكون أقل امتداد صالحا راقيا ممتازا لحاضرها المتهالك الضعيف، ومن أجل هذا لا أحب أن نفكر في مستقبل الثقافة في مصر إلا على ضوء ماضيها البعيد "الفرعوني"، وحاضرها القريب "وهو الاتجاه الحر في التفكير".

"ومعنى هذا كله واضح جدا: وهو أن العقل المصري "القديم"، لم يتصل بعقل الشرق الأقصى اتصالا ذا خطر، ولم يعش عيشة سلم وتعاون مع العقل الفارسي، وأنه عاش معه عيشة حرب وخصام.

"معنى ذلك أن العقل المصري قد اتصل من جهة بأقطار الشرق القريب "الشام وفلسطين والعراق" اتصالا منظما مؤثرا في حياته ومتأثرا، واتصل من جهة أخرى بالعقل اليوناني منذ عصوره الأولى اتصال تعاون وتوافق


١ المصدر السابق: ج١ ص٤٩, ٥٠.
٢ المصدر السابق: ج١ ص١٥.

<<  <   >  >>