للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتبادل مستمر منظم للمنافع في الفن والسياسة والاقتصاد ... إن العقل المصري منذ عصوره الأولى عقل إن تأثر بشيء فإنما يتأثر بالبحر الأبيض المتوسط، وإن تبادل المنافع على اختلافها فإنما يتبادلها مع شعوب البحر الأبيض المتوسط"١.

"فأما المصريون أنفسهم فيرون أنهم شرقيون، وهم لا يفهمون من الشرق معناه الجغرافي اليسير وحده، بل معناه العقلي والثقافي, فهم يرون أنفسهم أقرب إلى الهندي والصيني والياباني، منهم إلى اليوناني والإيطالي والفرنسي؟. وقد استطعت أن أفهم كثيرا من الخطأ، وأسيغ كثيرا من اللغط، وأفسر كثيرا من الوهم، ولكني لم أستطع قط ولن أستطيع في يوم من الأيام أن أفهم هذا الخطأ الشنيع، أو أسيغ هذا الوهم الغريب"٢!

"وكانت مصر من أسبق الدول الإسلامية إلى استرجاع شخصيتها القديمة"؟ " التي لم تنسها يوما من الأيام ... فالتاريخ يحدثنا بأنها قاومت الفرس أشد المقاومة وبأنها لم تطمئن إلى المقدونيين حتى فنوا فيها، وأصبحوا من أبنائها واتخذوا تقاليدها وسننها لهم تقليدا وسننا؟ ".

"والتاريخ يحدثنا كذلك، بأنها قد خضعت لسلطان الإمبراطورية الرومانية الغربية والشرقية على كره مستمر ومقاومة متصلة، فاضطر القياصرة إلى أخذها بالعنف وإخضاعها للحكم العرفي! ".

"والتاريخ يحدثنا كذلك، بأن رضاها عن السلطان العربي بعد الفتح لم يبرأ من السخط، ولم يخلص من المقاومة والثورة، وبأنها لم تهدأ ولم تطمئن إلا حين أخذت تسترد شخصيتها المستقلة في ظل ابن طولون، وفي ظل الدول المختلفة التي قامت بعده".

"فالمسلمون إذن فطنوا منذ عهد بعيد إلى أصل من أصول الحياة الحديثة. وهو: أن السياسة شيء والدين شيء آخر، وأن نظام الحكم وتكوين الدول فإنما يقومان على المنافع العملية، قبل أن يقوما على شيء آخر".


١ المصدر السابق: ج١ ص٦، ١٠، ١١.
٢ المصدر السابق: ج١ ص١٥.

<<  <   >  >>