للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} ١.

وإذا يقول القرآن هذا ... وذاك، ويقول كثيرا غيره، يقرر تقريرا واضحا وحي القرآن، ووضعية الرسول -صلى الله عليه وسلم- كرسول بعث للناس كافة بهداية واضحة، هي هداية السماء التي أرسل بها من قبله من الرسل.

ولكن هذا الذي يقوله القرآن هنا وفي آيات أخرى، لا يواجه به إلا مسلما غير متردد في إيمانه بالإسلام! أو هو يواجه به من كان صافي الطبع غير مبيت سوء القصد من البشر، وعندئذ يكون القرآن له شفاء وهداية ... {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} ! ٢.

أما لو واجهنا بالقرآن غير المسلم، من متعصبي أهل الكتاب، فإنه لا يكون له دليل هداية وإقناع على أن القرآن وحي من الله، وإنما الذي يجب أن يسلك معه مطالبته بتحديد موقفه من "الوحي" كقضية عامة للديانات السماوية الثلاث، وليست قضية الإسلام وحده، فما يقوله الغرب المسيحي باسم العلم تأييدا لوحي عيسى أو موسى يصح أن يقال تأييدا لوحي محمد!. فإذا كان "الوحي"، كأمر غير عادي، يخضع للطريقة العلمية الحديثة، أو لا بد أن يقف عن حد اعتقاد المؤمنين به في كل دين، فكل أنواع "الوحي" سواء في هذا ... أو ذاك.

أما الأمر الذي يجب أن ينكره البحث العلمي -بهذا التحديد- فهو أن يناقش نوع من "الوحي" ويتشكك فيه باسم العلم، ثم يصان نوع آخر منه على أنه بديهي التسليم، وبعيد عن مجال الجدل العقلي النظري أو العلمي التجريبي.

ولذا لا نحاول هنا أن نؤيد وحي الرسالة الإسلامية خاصة؛ لأن قضية "الوحي" إذن قضية عامة مشتركة، ما يصلح دليلا عليها هناك يصلح دليلا عليها هنا ... فيجب أن تخرج القضية في جملتها عن محل النزاع!

وقديما حاول فلاسفة القرون الوسطى أن يؤيدوا الوحي السماوي بالدليل العقلي ... ولكن لم تخرج برهنتهم عن شرح عقلي لوضع الرسول


١ الأنعام: ٥٠.
٢ الإسراء: ٨٢.

<<  <   >  >>