للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحده، فالإيمان أشبه بمنفذ في "سور" الجماعة، ينفذ منه إلى الجماعة من له صفة أفرادها، ويغلق دون من ليست له هذه الصفة، ولو كان ذا قربى لواحد من آحادها، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْأِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} ١.

وبهاتين الآيتين، يمكن أن يتحدد الدستور في قيام الجماعة الإسلامية، وفي استقلالها.. وتكون الجماعة الإسلامية إذن جماعة مستقلة في مواجهة غيرها من الجماعات الأجنبية عنها. وهي في استقلالها في مواجهة غيرها، يحدد الإسلام علاقتها بغيرها من الجماعات.

وفي تحديد العلاقة بين الجماعة المؤمنة والجماعات الأخرى: دعا الإسلام الجماعة الإسلامية إلى إقرار مبدأ "السلم" بادئ ذي بدء.

ويقول القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} ٢.

ثم في حال وقوع اعتداء عليها من الجماعات الآخرى: طالب الإسلام جماعته بـ"رد" الاعتداء، دون أن تزيد فيه ... فقال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} ٣، {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} ٤.

ولأن جماعة المسلمين جماعة مستقلة في هدفها وغايتها، وفي منهجها في الحياة وفي ترابط أفراها بعضهم ببعض؛ ولأنه مطلوب منها أن تحرص على استقلالها برد العدوان عليها، وعدم التهاون في ذلك كان من المترقب لمثل هذه الجماعة أن يحتك بها غيرها من الجماعات الإنسانية التي تطمع في التوسع، أو تتعصب لفكرتها ومبدئها في الحياة. لذلك طلب الإسلام من "الجماعة الإسلامية" أن تكون دائما على حذر واستعداد مادي وروحي معا، لمقاومة من يحتك بها، قاصدا إضعافها وإذهاب استقلالها!


١ التوبة: ٢٣.
٢ البقرة: ٢٠٨.
٣ البقرة: ١٩٠.
٤ البقرة: ١٩٤.

<<  <   >  >>