هو -أي: هذا الدين- قائم الدعائم ثابت الأركان في أوربا عينها، أعني في الآستانة العلية، حيث عجزت الشعوب المسيحية عن استئصال جرثومته من هذا الركن المنيع الذي يحكم منه على البحار الشرقية ويفصل الدول الغربية، بعضها عن بعض شطرين.
"وخلاصة القول: إن جميع المسلمين على سطح المعمورة تجمعهم رابطة واحدة. بها يديرون أعمالهم ويوجهون أفكارهم إلى الوجهة التي يبتغونها، وهذه الرابطة تشبه السبب المتين الذي تتصل به أشياء تتحرك بحركته وتسكن بسكونه، ومتى اقتربوا من الكعبة: من البيت الحرام، من زمزم الذي ينبع منه الماء المقدس، من الحجر الأسود المحاط بإطار من فضة، من الركن الذي يقولون عنه إنه سرة العالم، وحققوا بأنفسهم أمنيتهم العزيزة التي استحثتهم على مبارحة بلادهم في أقصى مدى من العالم للفوز بجوار الخالق في بيته الحرام اشتعلت جذوة الحمية الدينية في أفئدتهم، فتهافتوا على أداء الصلاة صفوفا.. وتقدمهم الإمام مستفتحا العبادة بقوله: "بسم الله" فيعم السكوت والسكون وينشران أجنحتهما على عشرات الألوف من المصلين في تلك الصفوف. ويملأ الخشوع قلوبهم ثم يقولون بصوت واحد: "الله أكبر"، ثم تعنوا جباههم بعد ذلك قائلين "الله أكبر" بصوت خاشع يمثل معنى العبادة.
"لا تظنوا أن هذا الإسلام الخارجي الذي تجمعه جامعة فكر واحد، غريب عن إسلامنا "في تونس والجزائر" ولا علاقة له به؛ لأنه وإن كانت البلاد "الإسلامية" التي تحكمها شعوب مسيحية ليست في الحقيقة بـ"دار إسلام" وإنما هي "دار حرب"، فإنها لا تزال عزيزة وموقرة في قلب كل مسلم صحيح الإيمان! والغضب لا يزال يحوم حول قلوبهم كما تحوم الأُسد حول قفص جلست فيه صغارها، ربما كانت قضبان هذا القفص ليست متقاربة ولا بدرجة من المتانة تمنعها عن الدخول إليهم من بينها.
"لا يؤخذ مما تقدم أن جراثيم الخطر لا تزال موجودة في ثنيات الفتوح وعلى أفكار المقهورين الذي أتعبتهم النكبات التي حاقت بهم، ولكن لم يثبط هممهم. نعم ليس لمقاومتهم رؤساء يشدون هذه المقاومة. ولكن رابطة الإخاء الجامعة لأفراد العالم الإسلامي بأسره كافلة بالرياسة.. ففي مسألة علاقتنا مع الإسلام تجد المسألة الإسلامية والمسألة الدينية والمسائل