قال بذلك "أوكام" وقال بذلك "كانت" ويقصد "أوكام" في تفرقته بين الحقيقة الدينية والحقيقة الفلسفية "الميتافيزيقية": أن تكون الميتافيزيقا مجال التطبيق لفكرته "الاسمية" أولا وبالذات.
٢- المذهب التجريبي Empirieism:
وأما "المذهب التجريبي" فيرى أن تحصيل الإنسان للحقائق الكونية ومعرفته بها لا يكون إلا بالتجربة الحسية وحدها. ومعنى ذلك أن الحس المشاهد -لا غيره- هو مصدر المعرفة الحقيقية اليقينية: ففي العالم الحسي تكمن حقائق الأشياء، أما انتزاع المعرفة مما وراء الظواهر الطبيعية الحسية، والبحث عن العلة في هذا المجال، فأمر يجب أن يرفض، ولهذا تكون كل نظرية أو كل فكرة عن وجود له طابع الحقيقة واليقين- فيما وراء الحس- نظرية أو فكرة مستحيلة.
هذا هو تقدير "المذهب التجريبي" للمصدر الذي تستقى منه "الحقيقة" أما موقف هذا المذهب من "العبارات" على وجه العموم، فيرى أنها لا توجد ولا تنشى معرفة للأشياء على حقيقتها، ولا عن خواصها التي لها، إذ هي بعيدة الصلة عن ذلك. ولذا لا تقول إلا بما نحسه فقط، وبالشبه الذي يكون بين الأشياء بعضها وبعض.
وهذا المذهب عرف به في القرن الثامن عشر: الفيلسوف الاسكتلندي: "هيوم" Hume "١٧١١ - ١٨٨٦". أما عمل العقل في نظره فهو وقف على ما تأتي به هذه الحواس والتجارب: ليس له من عمل سوى أن يربط بين ما تأتي به هذه الحواس والتجارب، وهي المدركات الحسية أو صور المفردات في العالم الخارجي. وقد يغير العقل في وضع هذه الصور في نفسه عن وضع أصولها في الخارج وقد يوسع أو يقلل في الصور نفسها التي هي التجارب والمدركات المحسوسة. ولكنه على أي حال لا يخرج عن دائرتها. وبهذا العمل العقلي تنشأ الأفكار، ومن بينها فكرة:"الله".
فالعقل يحصل فكرة "الله" في نفسه، في الوقت الذي يرتفع فيه عن حدود الخصائص الإنسانية كلها من الحكمة والخير، أي: إذا أدرك من تجاربه خيرا للإنسان وحكمة له، فإنه ينتقل من هذا الخير الإنساني والحكمة الإنسانية- متجاوزًا الدائرة الإنسانية كلها- فيدرك مطلق الخير ومطلق الحكمة، وذلك هو فكرة الألوهية.