والرابط بين الأفكار على هذا النحو في نظر "هيوم" يمكن أن يتأتى بواسطة العقل والعمل الفكري وحده، بغض النظر عن الوجود "الخارجي" وهو الوجود المحس المشاهد.
أما الأسباب والمسببات -في مقابل هذا- وهي التي تتصل بالأشياء الواقعة فلا يمكن أن تعلم بواسطة العقل، بل تتم معرفتها بواسطة التجربة وحدها، ومن هنا ليس هناك -في نظره- معرفة في الأزل أو فيما وراء التجربة والحس لها الطابع العلمي، ومعنى ذلك أن التفتيش عن "علة" وراء هذا الوجود المحسوس لهذا الوجود المحسوس نفسه، لا يقوم على طريق علمي، أي: طريق تجربي, بل يقوم على طريق عقلي تصوري، كطريق "الربط" بين الأفكار، أو عن طريق "الوحي" والإيمان أي: طريق الدين.
وغاية المعرفة الإنسانية عنده -لهذا- هي تحصيل علل الظواهر الطبيعية، وترتيب آثارها في دائرة قليلة من العلل العامة، أما محاولة كشف علل أخرى لهذه العلل العامة أو كشف علة واحدة عامة مشتركة لها فمحاولة غير مجدية "من الطريق الإنساني"، أي: لا يصل إليها الإنسان وصولا علميا يقينيا.
والقول بأننا ننتظر من العلل المشابهة آثارا متشابهة، يرجع إلى العادة التي ألفناها والتي تحولت إلى اعتقاد جازم، ولا يرجع إلى القياس العقلي أو إلى المعرفة الأزلية السابقة.
والحقائق الدينية لا يمكن إذن أن تعلم أبدا عن طريق الإنسان، سواء بعقله أو حواسه، وإنما يصدق الإنسان بها فقط.
هذا المذهب التجربي -كما ذكرنا- عرف به "هيوم" في القرن الثامن عشر، ولكن نواته وجدت في القرن الخامس قبل الميلاد عند الفيلسوف الإغريقي بروتاجوراس Protagoras "٤٨٠ - ٤١٠ق.م" ثم من بعد "هيو" تطور المذهب بعمل الفيلسوف الفرنسي بايل Bayle "١٦٧٧ - ١٧٠٦م" في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، إذ قد رفض Bayle التعليل العقلي للحقائق الدينية أي: رفض أن يقوم من العقل دليل على وجود تلك الحقائق، وبالأخص على وجود الحقيقة الإلهية، ونال بهذا الرفض من كل معرفة تتجاوز المحسوس ولا تكمن فيه وهي معارف "الميتافيزيقا" كلها.