ثم بعد أن نال من هذه المعارف، طلب في الحياة الأخلاقية أن يحكم الإنسان "العقل" وحده. وبذلك ينكر الإيمان الديني، والذي يعتبره مناقضا للعقل.
ولكن أي إيمان ديني أنكره Bayle؟؟ سينكشف فيما بعد أنه الإيمان بالتثليث، أي: إيمان الكنيسة الكاثوليكية، وهو الإيمان الذي يؤسس عليه أن يجمع عيسى في طبيعته بين طبيعتي الإله والإنسان.
وقد أثر اتجاه Bayle هذا ضد" الميتافيزيقا" وضد الحقائق الدينية التي وراء العالم المحسوس على السواء في التضييق على المعاني النظرية الصرفة، وبالتالي دفع إلى الحياة العملية "الواقعية" وكان أثر هذا الاتجاه في فرنسا أكثر منه في إنجلترا، وأصبح مفهوم "العلم" في المحيط الفرنسي إذ ذاك مقصوا على التجربة الطبيعية والإنسانية، أي: التي يجربها الإنسان في محيط الطبيعة، دون الحقائق الدينية والفلسفة الميتافيزيقية.
ولم يأخذ هذا "المذهب التجريبي" مكانه في تاريخ الفلسفة -كمدرسة- إلا على عهد الفيلسوف الفرنسي "كومت" Comte في القرن التاسع عشر "١٧٩٨ - ١٨٥٧" ومنذئذ عرف "بالمذهب الوضعي" Positivism و"أوجست كومت" Aogust Comte: يعتبر إذن المؤسس الأول "للفلسفة الوضعية" Positive Philosophy. وهي الفلسفة التي لا تعتبر شيئا ما "حقيقيا" و"واقعيا" إلا ذلك الموضوع الوضعي، الذي جاء أثرا لتجارب الحس، ويمكن مع ذلك اختباره بالحس.
و"المذهب الوضعي" الذي استخلصه "أوجست كومت" من "المذهب التجريبي" السابق عليه، يرى أن الفلسفة يجب أن تجتاز ثلاث مراحل، وتنتقل من واحدة إلى الأخرى، لكي تستقر في المرحلة الأخيرة:
- يجب أن تمر في المرحلة الأولى: وهي المرحلة التي يشرح فيها الإنسان الشيء الطبيعي، ويعلل وجوده ومظاهره من القوى الخارجة عن الطبيعة، وهي القوى الإلهية، أي: من دائرة الدين.
- وتنتقل الفلسفة إلى المرحلة الثانية: وهي المرحلة التي يشرح فيها الإنسان الحياة الإنسانية وقوانينها وأغراضها، من عبارات نظرية تصورية إنسانية، أي: من دائرة الميتافيزيقا، أي: من العقل النظري الخالص.