للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا تقع تحت الحس، لا فعلا ولا إمكانا؛ لأنها أشياء بحكم تعريفها لا يمكن أن تدرك بحاسة من الحواس"١.

لم يذكر الكتاب في سطر واحد منه، أن المراد من قوله: "البحث في أشياء لا تقع تحت الحس، لا فعلا ولا إمكانا هو "الفلسفة الميتافيزيقية" وحدها دون الحقائق الدينية, كما صرح بذلك مثلا "أوكام" فيما نقلناه عنه من قبل، وبهذا كان يمكن أن يضع أمام قارئه من أول الأمر أنه يهدف إلى مناقشة البحث الفلسفي الإنساني الذي له طابع ما بعد الطبيعة ... أما الدين ورسالته.. أما الإسلام على وجه أخص فأمر آخر. وبذلك يبتعد القارئ عن اللبس، ويصون قدسية الدين، في الوقت الذي يناقش فيه صنعة الإنسان، وهي صنعته الميتافيزيقية.

لكن الكتاب ذكر كلمة "العبارات الميتافيزيقية" من غير أن يفرق بين عبارات الأنواع والأجناس من جانب، وعبارت الأعلام الشخصية من جانب آخر، كما صنع أساتذة هذا المذهب فيما عرضنا هنا من قبل. وبذلك لا يعرف القارئ أنه بصدد تحديد ألفاظ، ومدى ارتباطها بمدلولها في واقع الأمر، كما لا يعرف أن اسم "الله" جل جلاله ليس مصونا فحسب عن هذا النقاش، بل لا يدخل في دائرته بحال.

إنه يقول: مطلقا بدون تحديد:

"العبارة الميتافيزيقة التي تخبرنا عن شيء غير محس عبارة فارغة من المعنى، لسبب بسيط وهو: أنها ليست مما يجيز المنطق أن يكون كلاما على الإطلاق، فمتى يقبل الكلام عند المنطق؟ المنطق يقبل الكلام إذا كان لدى السامع وسيلة لتحقيقه، فإما أن يصدقه بعد التحقيق أو يكذبه، أما الكلام الذي يستحيل بطبيعة تركيبه أن نتصور وسيلة لمراجعة صدقه أو كذبه، فهو كلام خلو من المعنى"٢.

ونحن بدورنا نتساءل: أي "منطق" له هذه الوظيفة؟ تراه منطق الإنسان عامة؟ وهناك أنواع متعددة من المنطق: منطق الرياضة ومنطق الصورة والقياس، ومنطق الفلسفة الوضعية.


١ كتاب خرافة الميتافيزيقا ص١١.
٢ المصدر السابق ص٧٨.

<<  <   >  >>