لو حدد الكتاب هذا المنطق "بالمنطق الوضعي" لعرف القارئ أن هناك أنواع أخرى من المنطق تخالف هذه الوجهة من النظر، ومن هنا يكون هو إمام منطق محدد، لكن ليس من دافع لأن يجزم بأن المنطق الإنساني عامة -كما يوهم الكتاب- يحيل أن تكون هناك عبارات موجودة على سبيل الحقيقة، وهي تلك العبارات التي مدلولاتها توجد فيما بعد الطبيعة.
ويزيد الكتاب في هذا الإبهام في عباراته التالية:
"إن الميتافيزيقي" لا يقول حين يدعي ما يدعيه: أني أحلل لفظة إلى ما يساويها، هو يصف كائنات يزعم وجودها بصفات معينة، فإذا طلبت إليه أن يدلك على الخبرة الحسية التي من شأنها أن تطلعك على تلك الكائنات، حتى ترى لنفسك إن كانت حقا موصوفة بالصفات التي زعمها أو لم تكن، أجابك بأنها ليست مما يحس.. وإذن هو موقف عجيب: يقول كلاما عن أشياء، ثم يرفض أن يدلك كيف يمكن أن تلتمس الأشياء في خبرتك، لتصدقه أو تكذبه.
"فلا هو على استعداد أن يحقق لنا ما يقوله بالخبرة الحية كما يفعل الذين يحدثوننا عن الأشياء الخارجية في العلوم أو في الحياة الجارية، ولا هو بقانع أن يجيء كلامه تحصيل حاصل حتى تصفه بالصدق من غير التجاء إلى خبرة حسية!
"وإذن فلا هو يقول عبارات تركيبية كالتي يقولها العلماء الطبيعيون، ولا عبارات تحليلية كالتي يقولها علماء الرياضة.
"فأي نوع من الكلام يقول؟ كلام الميتافيزيقي فارغ لا يحمل معنى.
"يزعم لنا الميتافيزيقي أنه قد جاء بعلم عن الحقيقة التي لا تدخل في نطاق الطبيعة المحسوسة المشهودة، إذ هو يحدثنا عن أشياء تجاوز عالم الشهادة والحس، فنسأله: من أي المقدمات استخلصت نتائجك التي انتهيت إليها؟ أليس يتحتم عليك -كما يتحتم على سائر الناس- أن تبدأ بشهادة حواسك، وإن كان ذلك كذلك، فكيف يجوز أن تستنبط من مقدمات حسية نتائج عن حقيقة أخرى خارجة عن نطاق الحواس؟ إنك إذا بدأت بمقدمات