فقد يقع "الحس" على أشياء وأشياء، ومع ذلك لا يدرك هو نفسه حقائقها ومدلولاتها في الخارج، وعندئذ تكون عباراتها أسماء، وتكون تلك الأسماء رموزا وأرقاما، لا تحمل حقائق، ولا تدفع "العقل" الخالص نحو إقرارها.
قد تدرك "الحواس" إذن إدراكا خطأ، وقد يكون تصور "العقل"وهما وظنا، ولكن حسن الظن بالحواس، أو الثقة بالعقل قد تحمل محسن الظن على أن ينخدع بأحدهما، أو بكليهما.
فالقرآن هنا في الآية السابقة يحكي عن المشركين الذين انخدعوا بـ"الحس" فاعتقدوا في كائنات محسة -هي على الحقيقة أحجار- أنها صاحبة تأثير إيجابي أو سلبي في حياتهم، وأنها آلهة تعبد.. وطاوع "عقلهم" ما انخدعوا فيه من حس، فكان العقل ظنا وهوى، لا علما وحقيقة واقعة.
الإنسان المحدود قد يطغى أن رآه استغنى، ويدفعه طغيانه إلى إنكار عقله وإنكار أصل وجوده وخلقه ... مع الإيمان فقط بما يتصل بشهوة بطنه وفرجه, وذلك هو الإنسان صاحب الفلسفة "الحسية".
وقد يدفعه هذا الطغيان مرة أخرى إلى إنكار عالمه الذي يعيش فيه، وإنكار العالم الأزلي السابق على وجوده الذي فيه خالقه ... مع الإيمان فحسب، بأنه هو الوجود، أو على الأقل هو نفسه رب الوجود! فمن "عقله" يحدد خصائص الوجود، ومن "عقله" أو "نفسه" يلون العالم الذي يعيش فيه، وذلك هو الإنسان العقلي أو النفسي في تفلسفه.