وإذ ينتقل كتاب:"خرافة الميتافيزيقا" من الجانب النظري إلى الناحية العلمية -وهي الجانب الخلقي- يقول عن مصدر القيم الأخلاقية.
"القيم "الأخلاقية" جزء من ذات نفسه، وإن العالم الخارجي عن ذاته، لا خير فيه ولا جمال، وإنما هو عالم من الأشياء!! فإذا أراد أن يقف إزاءها وقفة العالم الذي ينطق كلاما ذا معنى، كان لا بد له من قصر الحديث على وصف ما يراه فعلا، وما يسمعه، وما يحسه بسائر حواسه، دون إضافة شيء من ذات نفسه إلى الوصف، وإلا فقد أراد لنفسه شيئا غير العلم ومجاله"١.
والكتاب في هذا الجانب العملي يشير إلى المذهب النفسي في التفلسف Psychologism ... ذلك المذهب الذي ينكر وجود العالم الخارجي على نحو معين في ذاته من الخير أو الجمال أو نحو ذلك. ويرى أن وصف العالم الخارجي بشيء من ذلك يرجع إلى إحساسات الإنسان وانفعالاته المختلفة، دون ذوات الأشياء. فالإنسان هو الذي يضفي الوصف على الأشياء، وليس هذا الوصف للأشياء من ذواتها.
وتقابل هذه النظر، نظرة مذهب الوجود antolagism -وليس الوجودية- وهي نظرة ترى أن المبادئ الميتافيزيقية، وبالأخص فكرة "الوجود المطلق" -وهي الله- بداية التفلسف وبداية المعرفة، وليست الحقائق التجريبية النفسية. ويقصد بذلك أن التجارب النفسية من عواطف وإحساسات ليست هي التي تصبغ العالم الخارجي بصبغتها، بل مبادئ الوجود الثابتة، وفي مقدمتها مبدأ "الوجود المطلق" -أي: الله- هي التي يرجع إليها شرح هذا العالم وما فيه من موجودات، وإذن ما في العالم من خير وشر وجمال، مصدر تحديده فكرة الوجود المطلق، وليس إملاء عواطف الإنسان.
وكتاب "خرافة الميتافيزيقا" في الجانبين: النظري والعملي، يتشبث بدعوى "الاسميين" و"الوضعيين" ... ولكن بالصورة التي عرض هو بها آراءهم وليس بالصورة التي أفرغوها هم في تاريخ مذهبيهم!
وقد رأينا من قبل في تاريخ "الاسميين" أنهم يحتاطون في فصل الدين عن الميتافيزيقا بأن وجهوا إلي هذه الأخيرة النقد باسم البحث