للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والإنسان، والعالم- يجعل الواقع ليس مغايرا لـ"أنا" كل المغايرة، وليس مغايرا أيضا للذات المطلقة "الله" كل المغايرة.. إن هذا العالم هو تجلي الله، وإن الوجود كله هو "الأول" والآخر" و"الظاهر" و"الباطن"، والله والعالم. "فكرة هيجل".

إنه حقيقة واحدة، لها أصل ومظهر، ولكنه لا يقوم على الاتحاد، ولا تصير فيه "وحدة" من وحداته "إلى الفناء" في وحدة أخرى ... لا يصير العالم في الإنسان، ولا يصير في الله, كما لا يصير الإنسان إلى الذهاب في الله ... في الوجود وحدات ثلاث وهي حقائق، لها شخصيتها وفرديتها.

وهي تدرك جميعها بـ"التجربة"، ولكن "التجربة" لإدراك الواقع والعالم المادي غير "التجربة" لإدراك أعلى هذه الحقائق، وهي "الحقيقة الكلية".

إن هناك نوعين من التجربة: التجربة الواقعية، والتجربة الدينية "الروحية الصوفية" ... ولا تضارب بين التجربتين، ولا بين ما توصل إليهما من حقائق، والصلة بين هاتين التجربتين، أو بين الحقيقة الواقعية والحقيقة الأخرى الروحية الكلية، هي مركز المحاولة الفكرية لإقبال.

وإذا تضاءل أو تلاشى اعتراض العلم التجريبي المادي على الإسلام كدين لم يكن بينهما موضوع للكفاح والخصومة، وكان المسلم -بتوجيه من دينه- واقعيا يجب عليه أن يدرك الواقع والطبيعة ليسود عليها، ولكن لا ليشقى بها؛ لأنه لا يصح له أن ينسى روحانيته، وهي إدراكه للذات المطلقة "الله".

إن المشكلة التي يواجهها الإسلام، كانت في الواقع ما بين "الدين والحضارة" من صراع متبادل، وما بينهما في الوقت نفسه من تجاذب متبادل. ولقد واجهت النصرانية في أول عهدها المعضلة نفسها, فكان أعظم ما عنيت به أن تبحث عن مستقر للحياة الروحية قائم بنفسه، "مستقل تماما عن غيره" تلك الحياة التي رأى منشئها ببصيرته أنه يمكن السير بها, لا عن طريق قوى عالم خارجي عن نفس الإنسان، وإنما بتجلي عالم جديد في داخل النفس ذاتها.

الإسلام يقر هذه النظرية تماما.... ويكملها بنظرية أخرى، هي أن النور الذي يضيء هذا العالم الجديد المتجلي على هذا النحو "في نفس

<<  <   >  >>