للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإنسان وداخلها" ليس غريبا عن عالم المادة؛ بل هو متغلغل فيها، وعلى هذا فإن توكيد الروح التي سعت إليه النصرانية، يتحقق -لا باستبعاد القوى الخارجية التي تخترقها أنوار الروح بالفعل- وإنما يتحقق بتنظيم علاقة الإنسان بهذه القوى، على هدي النور المنبعث من العالم الموجود في أعماق نفسه١.

لا انفصالية ولا اتحاد في الوجود:

وبهذا النص الأخير:

يحدد إقبال المشكل -الذي يواجه الدين كدين في العصر الحديث- بأنه "ما بين الدين والحضارة من صراع وتجاذب".

ثم يحدد موقف المسيحية من هذا الشكل: بأنها تكتفي بالبحث عن عالم مستقل للروحية، منفصل تماما عن العالم الخارجي، فعنيت ببحث النفس الإنسانية كمستودع لهذه الروحية، ووقفت عند حد الطريق أو المنهج الذي تكشف به هذا المستودع، وتركت العالم الخارجي، وتركت أمر الكشف عنه لمنهج آخر وطريقة آخرى، دون أن يكون هناك ربط بين المنهجين في الكشف والمعرفة، وبين الحقيقة "الداخلية" والحقيقة "الخارجية".

- أما الإسلام: فيرى "إقبال" أن موقفه من هذا الشكل هو في عدم "الانفصالية"، وفي عدم "الاتحاد" في الوجود على السواء ... عدم الانفصالية بين "أنا" و"الواقع"، وعدم الاتحاد بين "أنا" وبين "الذات المطلقة" وهي الله. فليس العالم الواقعي مغايرا لـ"أنا"، حتى هذا الـ"أنا" ينفر منه ويهرب منه، على أنه شر يجب أن يتجنب، ومن جهة أخرى مهما سما "أنا" وروض روحه، وصفى نفسه، فلن يبلغ درجة "الإفناء" في "الذات" المقدسة.

وإذن موقف الإسلام من الوجود: هو حمل الإنسان، أو حمل "أنا" على إيجاد الصلة بين الحقيقتين -حقيقة الذات الكلية وهي الله التي هي أصل الوجود وحقيقة العالم الخارجي التي تعتبر التجلي لهذا الأصل- وذلك


١ كتاب "تجديد الفكر الديني في الإسلام": ص١٦.

<<  <   >  >>