للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن طريق استخدام منهج واحد هو المنهج التجريبي، وعن طريق أن الحقيقة الداخلية في نفس الإنسان -وهي التي يصل إليها الصوفي عن طريق الرياضة الروحية- تعين على كشف الحقيقة الأخرى الخارجية، وأن المعرفة السليمة هي: "تنظيم علاقة الإنسان بالعالم الخارجي, على هدى النور المنبعث من العالم الموجود في أعماق نفسه".

التجربة في مجال الدين والعلم:

وربما يفهم أن "إقبال" بتعبيره هنا: "على هدى النور المنبعث من العالم الموجود في أعماق نفسه" يميل إلى سيادة الحقيقة الروحية أو الدينية، وجعلها ذات أثر في معرفة الحقيقة الخارجية ... ربما يفهم أن معنى ذلك: الحرص على استقلال تلك الحياة، مع أن المنهج التجربي في البحث، عند الوضعيين أو الواقعيين، ليس "اختيارًا" فحسب للحقيقة من حيث هي حقيقة, وإنما هو مع ذلك ينطوي على إنكار ما عدا الحقيقة الخارجية، وهي الحقيقة الدينية أو الروحية هنا، وأن الفجوة بين المحاولة التي يقوم بها "إقبال" للتوفيق بين الإسلام كمصدر للحقيقة الدينية وبين اتجاه المذهب التجريبي باقية, طالما تفهم "التجربة" في الحدود التي رسمها "أوجست كومت" مؤسس المذهب الوضعي في القرن التاسع عشر.

ولذلك يوضح "إقبال" أن "تجربة" المذهب الوضعي ليست هي الوسيلة المتعينة في اختيار كل الحقائق, إذ هناك فرق بين الحقيقة الخارجية التي هي موضوع تجربة المذهب الوضعي، والحقيقة الأخرى -وهي الحقيقة الدينية- التي لا تخضع لهذه الوسيلة بذاتها، وهذا الفرق يرجع إلى اختلاف مجال الدين عن مجال العلوم التي تشتغل بـ"الطبيعة" كعلم الطبيعة، وعلم الكيمياء مثلا.

ويوضح "إقبال" هذا الفرق، بعد أن يشير أيضا إلى اعتراض آخر يتصل باعتراض التجريبيين على "الحققة الدينية" وهو الاعتراض الكامن في شرح "فرويد" لنشأة الأديان كتعبير عن "اللاشعور" المكبوت عند الإنسان. وبناء على ما يراه "فرويد": تكون الأديان كلها خيالات أو رغبات، أكثر منها حقائق تخضع للتجربة!

والدين في رأي أصحاب هذا المذهب -ومذهب "فرويد"- اختراع محض خلقته الرغبات المرفوضة، لكي تجد "جنة" خيالية لحركة حرة من غير عائق!! وهم يقولون: إن العقائد والآراء الدينية ليست شيئا

<<  <   >  >>