للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أكثر من نظريات بدائية عن الطبيعة، حاول البشر استخدامها في تخليص الحقيقة من بشاعتها الأصلية، وإظهارها في صورة أقرب إلى هوى القلب مما تسمح به حقائق الحياة. أما أن هناك أديانا، وصورا من الفن تهيئ لنا نوعا من الفرار المزري من حقائق الحياة، فأمر لا أنكره، وكل الذي أجادل فيه هو أن هذا الحكم لا يصدق على الأديان كلها: فالعقائد والآراء الدينية لها من غير شك أمارة ميتافيزيقية.

"ولكن من الواضح كذلك أنها -الأديان- ليست تفسيرات لوقائع التجربة، التي هي موضوع العلوم التي تشتغل بالطبيعة: فالدين ليس علم الطبيعة أو علم الكيمياء. لا يبحث عن تفسير للطبيعة، وفقا لقوانين العلية ... بل هو في الواقع يقصد إلى تفسير مجال مختلف اختلافا كليا، هو مجال التجربة الإنسانية: التجربة الدينية، مجال وقائع، مما لا يمكن أن ترجع إلى وقائع أي علم آخر. وفي الواقع يجب أن يقال -إنصافا للدين- إن الدين يتمسك بضرورة التجربة الواقعية في الحياة الدينية، قبل أن يتعلم "العلم" أن يصنع ذلك بزمن طويل، والخلاف بين الاثنين: "الدين والعلم" ليس بسبب أن أحدهما يقوم على التجربة الواقعية والآخر لا يقوم عليها, فهما يبحثان تجربة واقعية كنقطة للبدء والخروج "في البحث" وإنما خلافهما بسبب الخطأ في إدارك أن الاثنين يشرحان نفس "الواقعية" التي هي موضوع التجربة، ونحن ننسى أن الدين يقصد إلى الوصول إلى المعنى الحقيقي لنوع من التجربة"١.

"وليس من شك في أن البحث في الرياضة الدينية "على نحو ما في الصوفية" بوصفها مصدرا للعلم للإلهي، أسبق في التاريخ من تناول غيرها من ضروب التجربة الإنسانية للغاية نفسها"٢.

ومن التحكم إذن في نظر "إقبال" أن يؤخذ بمنطق التجربة في مجال العلوم الطبيعية، ولا يؤخذ به في مجال الدين، وإن اختلاف موضوع التجربة، لا يسوغ التفرقة في اعتبار نتائجها ... ويزيد "إقبال" ذلك توضيحا في نص آخر يقول فيه:

"والواقع أن الدين أشد حرصا من العلم "Seience" على الوصول إلى ما هو في النهاية حق، لأسباب ذكرتها من قبل. والسبيل لإدراك الحق


١, ٢ المصدر السابق: ص٢٣٤.

<<  <   >  >>