للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"ولكي نكفل إدراك الحقيقة إدراكا كاملا، ينبغي أن يكمل الإدراك الحسي بإدراك آخر هو ما يصفه القرآن بإدراك الفؤاد أوالقلب في قوله تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ، ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} ١.

و"إقبال" يرى الآن بهذا أن القرآن لا يدعو فحسب إلى أن يمارس الإنسان التجربة في صلته بالعلم الطبيعي الواقعي، وفي كشف هذا العلم والوقوف عليه، بل لا يمانع في أن يكون هناك في الدين نفسه مجال تجربة، هو "القلب" وأن الرياضة الدينية لذلك ضرب من ضروب التجربة، التي توصل إلى العلم، ولا تقل اعتبارا عن البقية من ضروب التجربة الأخرى في مجال الواقع والطبيعة.

والإنسان -من وجهة نظر الإسلام، كما يرى "إقبال"- ليس منقطعا عن الطبيعة، بل هو جزء منها، وعلى صلة ببقية أجزائها، ومعرفة الإنسان لله كمعرفته للطبيعة سواء، هي ركون الإنسان في النوعين إلى التجربة.

ومجال التجربة هنا وهناك هو: "الواقع" ولا خلاف بين العلم والدين في ذلك، وإذن صلة العلم بالدين صلة متوازية ومتوازنة, كلاهما يبحث الواقع، وكلاهما يسلك طريق التجربة في بحثه إياه، وكلاهما يكمل الآخر في المعرفة والكشف عن الحقيقة. "وكما أن نواحي التجربة العادية تخضع لتأويل موضوعات الحس لتحصيل لعلم بالعالم الخارجي، فكذلك مجال التجربة الصوفية يخضع للتأويل لتحصيل العلم بالله"٢.

والفرق بين النوعين من المعرفة كما يرى "إقبال" هو: "أن المعرفة الصوفية معرفة مباشرة, فمن الواضح أنه لا يمكن أن يطلع عليها، أي: نقلها لإنسان آخر؛ وذلك لأن الحالات الصوفية أشبه بالإحساس منها بالتعقل، وما يعلنه الصوفي من تفسير لفحوى محتويات شعوره الديني يمكن أن يبلغ للناس على صورة قضايا، ولكن محتويات الشعور الديني نفسها لا يمكن الاطلاع عليها، أي: "لا يمكن" نقلها".


١ المصدر السابق: ص٢٢-٣٣.
والآية من سورة السجدة ٧-٩.
٢ المصدر السابق: ص٢٦.

<<  <   >  >>