للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في ظرف فارغ من حيز غير متناه، وقد رأينا -فيما سبق- أن المكان والزمان، والمادة، تفسيرات يضعها الفكر لقدرة الذات الإلهية الخالقة الحرة، وهي لست حقائق لها وجودها في ذاتها وإنما هي أحوال للعقل في تصوره لوجود الله.

"وقد أثير البحث مرة في موضوع الخلق بين مريدي "بايزيد البسطامي" الصوفي المشهور، فأدلى أحدهم في صراحة بالرأي الذي تقبله الفطرة السليمة: "كان الله، ولا شيء معه" فأجاب الولي جوابا قاطعا، فقال: "الآن كما كان" فعالم المادة إذن ليس شيئا يشارك الله في الأزل، ويحدث فيه الله ما يشاء، وهو كأنه على مسافة منه ... بل هو في طبيعته الحقيقية، فعل واحد متصل، يجزئه الفكر إلى كثرة من أشياء، منفصل بعضها عن بعض"١.

و"جاء في القرآن الكريم {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} ٢. وماهية الجوهر غير وجوده، ومعنى هذا أن الوجود عرض يلحقه الله بالجوهر. وقبل أن يلحقه الوجود، يظل كما لو كان كامنا في قدرة الله الخالقة, وليس يعني وجوده، أكثر من تجلي القدرة الإلهية للعيان"٣.

وإذا كانت "الذات الكلية" لا انفصال لها عن العالم الواقعي، وإذا كان العالم الواقعي ليس مادة جامدة، بل هو تركيب من أحداث متتالية تصور خلق الله، أو تصور تجليه للعيان, "فالسمو إلى مستوى جديد في فهم الإنسان لأصله ولمستقبله وحده، هو الذي يكفل له آخر الأمر الفوز على مجتمع يحركه تنافس وحشي، وعلى حضارة فقدت وحدتها الروحية، بما انطوت عليه من صراع بين القيم الدينية والقيم السياسية.

هذا من جانب ...

ومن جانب آخر، إذا كان الانفصال بين الله وبين هذا العالم المادي, فليس هناك اتحاد بينهما، وبالتالي لا يصير الإنسان الفرد يوما ما في الذات الإلهية، مهما أدرك هذه الذات، وإدراكه لهذه الذات إدراكا قريبا


١ المصدر السابق: ص٢٧٨، ٢٧٩.
٢ فاطر: ١.
٣ المصدر السابق: ص٢٨٢.

<<  <   >  >>