للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليس من شك في أن نظريات العلوم الطبيعية تفيد معرفة موثوقا بها؛ لأنه يمكن التحقق من صدقها؛ ولأنها تمكننا من التنبوء بالحوادث الطبيعية، ومن التحكم فيها، ولكن ينبغي أن لا ننسى أن ما نسميه: "العلم" Science ليس نظرة واحدة منسقة للحقيقة، بل هو مجموعة من النظرات الجزئية للحقيقة ... هو شتات من تجربة كلية لا تظهر منسجمة بعضها مع بعض. فالعلوم الطبيعية تبحث في المادة, وفي الحياة، وفي العقل؛ ولكنك إذا سألت عن كيفية العلاقة المتبادلة بين المادة, والحياة, والعقل, أخذت تتجلى لك عند ذلك جزئية العلوم المختلفة، التي تتناول البحث فيها، وتبين لك عجز كل واحد منها عن أن يجيب وحده عن سؤالك هذا إجابة شافية.

والواقع، أن العلوم الطبيعية المختلفة, مثلها مثل الجوارح العديدة تنقض على جسم الطبيعة الميت، فيذهب كل منها بقطعة منه، والطبيعة من حيث هي موضوع للعلم أمر عملت فيه الصنعة إلى حد بعيد، صنعة نشأت عن عملية الانتقاء التي لا بد للعلم من أن يخضع الطبيعة لها. حتى تتحقق له الإجادة والتدقيق.

"وعندما نضع موضوع "العلم" في مجموع التجربة الإنسانية، يشرع يتكشف لك عن طبيعة مختلفة، ومن ثم، فإن الدين -وهو ينشد الحقيقة بوصفها كلا لا يتجزأ لهذا- يجب أن يتخذ له مكانا مركزيا في أي تركيب من موضوعات التجارب الإنسانية جمعاء لم يكن ليخشى أي رأي من الآراء الجزئية عن الحقيقة ... والعلوم الطبيعية جزئية بطبيعتها، فإذا كان لها أن تظل أمينة لطبيعتها ووظيفتها، فإنها لا تستطيع أن تقيم نظريتها على اعتبار أنها رأي كامل عن الحقيقة، وعلى هذا فإن الأفكار التي تستخدمها في تنظيم المعرفة, جزئية بطبعها، وتطبيقها اعتباري بالنسبة لمستوى التجربة التي تستخدمها فيه"١.

وإذا كان الدين هو السبيل إلى معرفة "الذات الكلية"، فالعبادة فيه -وعلى وجه أخص "الصلاة"- هي المدخل، في نظر "إقبال" إلى إدراك تلك الذات الكلية إدراكا قريبا ...

- فالدين لا يقنع بمجرد الإدراك، بل يبحث عن علم أوثق، وعن اتصال أكد بموضوع علمه ...


١ المصدر السابق: ص٥٢.

<<  <   >  >>