للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- والعبادة، أو الصلاة، التي تختم بالهداية الروحانية -وهي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر- هي الوسيلة لتحقيق هذا الاتصال"١.

فالصلاة التي تستهدف المعرفة تشبه التأمل؛ ومع ذلك فالصلاة في أسمى مراتبها تزيد كثيرا على التأمل المجرد. وهي كالتأمل أيضا في أنها فعل من أفعال التمثيل، ولكن التمثيل في حالة الصلاة يتجمع مترابطا، فيحصل بذلك على قوة، لا يعرفها التفكير المجرد. فالعقل في تفكيره يلاحظ فعل الحقيقة، ويتقصى آثاره، لكنه في الصلاة يتخلى عن سيرته بوصفه باحثا عن العموميات البطيئة الخطوة، ويسمو فوق التفكير ليحصل الحقيقة ذاتها، لكي يصبح شريكا في حياتها شاعرا بها.. وليس في هذا شيء من الخفاء، فالصلاة من حيث هي وسيلة للهداية الروحانية فعل حيوي عادي، تكشف به فجأة شخصيتنا، التي تشبه جزيرة صغيرة، مكانها في الوجود الخضم الأكبر للحياة ...

والواقع، هو: أن الصلاة يجب أن ينظر إليها على أنها تكملة ضرورية للنشاط العقلي لمن يتأمل في الطبيعة، وملاحظة الطبيعة ملاحظة علمية تجعلنا على اتصال وثيق بسلوك الحقيقة، فنشحذ بذلك إدراكنا الباطني لشهود الحقيقة شهودا أوفى وأعمق٢.

"فالصلاة إذن، سواء في ذلك صلاة الفرد أو صلاة الجماعة, هي تعبير عن مكنون شوق الإنسان إلى من يستجيب لدعائه في سكون العالم المخيف ... وهي فعل فريد من أفعال الاستكشاف، تؤكد به الذات الباحثة وجودها في نفس اللحظة التي تنكر فيها ذاتها، فتتبين قدر نفسها ومبررات وجودها بوصفها عاملا محركا في حياة الكون، وصور العبادة في الإسلام، في صدق انطباقها على سيكلوجية المنزع العقلي، ترمز إلى إثبات الذات وإنكارها معا"٣.

- والدين إذن -والعبادة منه بوجه خاص، ورياضة الصوفي في صلاته على وجه أخص- مصدر ضروري لمعرفة الإنسان، ولوقوفه على


١ المصدر السابق: ص١٠٣.
٢ المصدر السابق: ص١٠٤، ١٠٥.
٣ المصدر السابق: ص١٠٧.

<<  <   >  >>