للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ماضيها أو في ظل ماضيها والاقتصاد يتطور على حساب الانقلاب في مباشرة الإشراف عليه.

"والإسلام بوصفه نظاما وجدانيا يقول بوحدة الكلمة، ويدرك قيمة الفرد من حيث هو فرد. ويرفض اعتبار قرابة الدم أساسا لوحدة الإنسانية فقرابة الدم أصلها مادي مرتبط بالأرض، ولا يتيسر التماس أساس نفساني بحت لوحدة الإنسانية إلا إذا أدركنا أن الحياة الإنسانية جميعا روحية في أصلها ومنشئها ... ومثل هذا ينشيء صنوفا جديدة من الولاء من عبر شعائر تحفظ عليها الحياة، كما أنه ييسر للإنسان أن يحرر نفسه من أسر الروابط المادية، والمسيحية التي ظهرت في الأرض في صورة نظام من الترهب، حاول "قسطنطين"١ أن يتخذ منها نظاما لتوحيد الكلمة بين الناس، وقد حمل إخفاقها في تحقيق هذه الغاية، جوليان"٢ على الارتداد إلى عبادة روما القديمة، محاولا أن يضع لها تأويلات فلسفية ... وتجد الثقافة الجديدة في مبدأ التوحيد "في الوحي النبوي المحمدي" أساسا لوحدة العالم كله.

"والإسلام بوصفه دستورا سياسيا، ليس إلا أداة علمية لجعل هذا المبدأ عاملا حيا في حياة البشر العقلية والوجدانية، فهو يتطلب الطاعة والإخلاص لله لا للعروش والتيجان. وإذا كانت الذات الإلهية هي الأصل الروحي الأول لكل حياة فإخلاص الإنسان لله إنما يكون بمثابة إخلاصه لطبيعته المثالية الخاصة. والمبدأ الروحي الأول لكل حياة "وهو الذات الإلهية" كما يصوره الإسلام, هو مبدأ أبدي, يرينا الآيات الدالة عليه في التنوع والتغير، والمجتمع الذي يقوم على تصور الحق على مثل هذا الوجه، لا بد له من أن يوفق في وجوده بين مراتب الدوام والتغير.

- فلا بد أن يكون له مبادئ أبدية تنظم حياته الجماعية وتضبط أموره؛ وذلك لأن الأبدي الخالد يثبت أقدامنا في عالم التغير المستمر.

- ولكن إذا فهمنا أن المبادئ الأبدية تستبعد كل إمكان للتغير -والتغير في نظر القرآن آية من الآيات الكبرى على الذات الإلهية- فإن هذا الفهم يجعلنا ننزع إلى تثبيت ما هو -أساسيا- متغير في طبيعته.


١ قسطنطين الأول عام ٣٣٧م.
٢ عام ٣٦١: ٣٦٢م.

<<  <   >  >>