للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المجتمع الإنساني:

أما المجتمع الإنساني، فلا يسير على التغير المطلق، وإنما يستند إلى بعض المبادئ العامة التي توازن ما يحدث فيه من تغيرات.

فعقدة "التوحيد" في الإسلام، مع أنها ترمي إلى صيرورة المجتمعات المختلفة في الهدف إلى عالم واحد يتخذ شعاره: عبادة الحق، والولاء للذات الإلهية.

ومع إن كتاب الإسلام المقدس بما له من نظرة يعتبر بها الكون متغيرا ولا يكون خصما لفكرة التطور.

مع هذا كله ... فإنه ينبغي أن لا ننسى أن الوجود ليس تغيرا صرفا فحسب ولكنه أيضا ينطوي على عناصر تنزع إلى الإبقاء على القديم, فالإنسان في الوقت الذي يستمتع فيه بنشاط الخالق، ويركز جهوده باستمرار في كشف مسالك جديدة للحياة، يحس بالقلق عندما ينكشف له ما في ذات نفسه، ولا مفر له في خطوه إلى الأمام من أن يرجع البصر إلى ماضيه، وهو يواجه نماءه الروحي في شيء من الخوف، وروح الإنسان يعوقها في سيرها قدما قوى يظهر أنها تعمل في الاتجاه المضاد. وما هذا إلا ضرب من القول بأن الحياة تتحرك وهي تحمل على عاتقها أثقال ماضيها، وأنه في أي تغير اجتماعي لا يمكن أن يغيب عن النظر ما لقوى التمسك بالقديم من قيمة وعمل.

وبهذه النظرة الجوهرية في التعاليم الأساسية للقرآن، ينبغي للمذهب العقلي الحديث أن يتناول بالبحث نظمنا القائمة, فليس في استطاعة أمة أن تتنكر لماضيها تنكرا تمام؛ لأن الماضي هو الذي كيف شخصيتها الحاضرة، وفيما يتعلق بمجتمع كالمجتمع الإسلامي، تصبح إعادة النظر في النظم القديمة أكثر دقة وحرجا، كما تصبح التبعات التي يضطلع بها المصلح موجبة عليه أن ينظر إلى الأمور نظرة جدية، وأن يزن ما لها من خطر١.

وذلك لأن المجتمع -في نظر "إقبال"- ليس ماديا كما تراه الماركسية فتخضعه للتغير المطلق، وتخضع ما فيه من قيم لمبدأ التطور الانقلابي.

وإنما أساسه "الروح" وليس "الاقتصاد" والورح تنمو دون أن تنسى


١ المصدر السابق: ١٩١, ١٩٢.

<<  <   >  >>