للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سار ابن خلدون على هدى من نظرته إلى التاريخ، فأفاض في نقده، وقضى -فيما اعتقد- قضاء نهائيا، على الأساس المزعوم لفكرة ظهور مخلص في الإسلام، وهي فكرة شبيهة في آثارها السيكولوجية بالفكرة المجوسية الأصلية، التي كانت قد ظهرت في الإسلام، تحت تأثير الفكر المجوسي"١.

الاجتهاد:

والمبدأ الثاني: في معاونة المسلم -من إسلامه، لا من مصدر أجنبي عنه- ليتابع تطور العالم وتغييره هو: مبدأ الاجتهاد، وفي حديث "إقبال" عن الاجتهاد يوضح إمكان وقوعه الآن، أكثر من التدليل على وجوده أو غايته، فذلك أمر بدهي.

"ولا ريب عندي في أن التعمق في درس كتب الفقه والتشريع الهائلة العدد لا بد أن يجعل الناقد بمنجاة من الرأي السطحي الذي يقول بأن شريعة الإسلام شريعة جامدة غير قابلة للتطور. ومن سوء الحظ أن جمهور المسلمين المتمسكين بالقديم في بلدنا هذا، لم يستكملوا الأهلية بعد لدرس الفقه دراسة نقدية. ومن المرجح أن مثل هذه الدراسة إذا حدثت، تسيء معظم الناس وتثير خلافات مذهبية، على أنني سأغامر بإبداء بعض الملاحظات عن النقطة التي نبحثها الآن:

- فأولا: ينبغي أن نذكر منذ ظهور الإسلام إلى قيام الدولة العباسية تقريبا، لم يكن قد دون من شرائع الإسلام سوى القرآن.

- ثانيا: مما هو جدير بالملاحظة أنه منذ حوالي منتصف القرن الرابع الهجري ظهر ما لا يقل عن تسع عشرة مدرسة من مدارس الفقه والرأي الشرعي في الإسلام، وهذه الحقيقة وحدها كافية في بيان مقدار ما بذل فقهاؤنا المتقدمون من جهد موصول لمواجهة ما تستلزمه حضارة نامية. وكان لا بد لهؤلاء الأصوليين -مع امتداد الفتح، وما نشأ عنه من اتساع نظرة الإسلام- من أن يصطنعوا رأيا في الأمور أكثر رحابة، وأن يدرسوا الظروف المحلية للحياة وعادات الشعوب الجديدة التي


١ المصدر السابق: ص١٦٦, ١٦٧، والفكرة التي ظهرت في الإسلام تحت تأثير المجوسية، ويشير إليها ابن خلدون، فكرة "المهدي" المنتظر.

<<  <   >  >>