للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ختم الرسالة المحمدية:

أما عقيدة أن محمدا -صلى الله عليه وسلم- خاتم الأنبياء والمرسلين، فتحمل معها أمرين:

- انتهاء الوصاية على الإنسان في قيادته ... وليس معنى ذلك إحلال العقل محل الرسالة، بل معناه أن وقت خوارق العادات قد انتهى أمره، وأن على الإنسان أن يحصل

كمال معرفته بوسائله الخاصة.

- والأمر الثاني: إبعاد ظهور الفكرة المجوسية، وهي فكرة الترقب لظهور أبناء "زرادشت" الذين لم يولدوا بعد، والحيلولة دون ظهورها في المجتمع الإسلامي، وقد تأثرت المسيحية بهذه الفكرة، عندما اعتقدت بـ"ظهور المسيح".

وشأن الإيمان بهذين الأمرين: ترك الحرية للإنسان في سيطرته على الطبيعة ومعرفته بها، وإبعاده عن مجال التبعية لغيره، أو دفعه إلى العمل دون انتظار مخلص له، أو معين آخر يعينه.

"إن النبوة في الإسلام لتبلغ كمالها الأخير في إدراك الحاجة إلى إلغاء النبوة نفسها، وهو أمر ينطوي على إدراكها العميق لاستحالة بقاء الوجود معتمدا إلى الأبد على مقود يقاد منه. وأن الإنسان لكي يحصل كمال معرفته لنفسه، ينبغي أن يترك ليعتمد

في النهاية على وسائله هو. وأن إبطال الإسلام للرهبنة، ووراثة الملك، ومناشدة

القرآن للعقل والتجربة على الدوام، وإصراره على أن النظر في الكون والوقوف

على أخبار الأولين من مصادر المعرفة الإنسانية ... كل ذلك صور مختلفة لفكرة

انتهاء النبوة"١.

"وفي هذا المقام يخفق "اشبنجلر" -كما يقول: "إقبال"- في تقدير ما لفكرة ختم النبوة في الإسلام من قيمة ثقافية ... هذا إلى أنه مما لا شك فيه أن أهم خصائص الثقافة المجوسية "تبدو" في نزعة الترقب الدائم، والتطلع الدائب لظهور أبناء "زرادشت" الذين لم يولدوا بعد، أو ظهور المسيح المنتظر، أو المعزى الذي قال به الإنجيل الرابع٢ ... ولقد


١ المصدر السابق: ص١٤٤.
٢ إنجيل يوحنا، الفصل الرابع عشر آية ١٦.

<<  <   >  >>