للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"فالمسيحية البدائية لم تقم كوحدة سياسية أو مدنية، وإنما كانت نظاما من الرهبنة في عالم غير طهور، لا تحفل بأمور الدنيا، وتدين للسلطة الرومانية بالطاعة في كل أمر تقريبا، وكان من نتيجة هذا أن الدولة عندما أصبحت مسيحية وقفت هي والكنيسة موقف التعارض، بوصفهما قوتين متمايزتين، شجر بينهما الخلاف على تنازع الاختصاص، ودبت لذلك خصومات لا حد لها.

ومثل هذا لم يكن من الممكن أن يقع في الإسلام؛ لأن الإسلام كان من أول الأمر مجتمعا مدنيا عني بشئون االدنيا، وأخذ عن القرآن طائفة من المبادئ التشريعية البسيطة -كالألواح الاثنى عشر في التشريع الروماني- انطوت كما أسفرت التجارب، على إمكانيات عظيمة للتوسع والتطور، عن طريق التأويل والتفسير. وعلى هذا، فالنظرية التي تقول بقومية الدولة، تجرنا إلى الخطأ من حيث إنها تفرض "ثنائية" لا وجود لها في الإسلام"١.

ويذكر إقبال: أن "ناومان" "Naumann" -في كتابه: "رسائل عن الدين" Briefe uber Religion- يشاركه في هذا الرأي في المسيحية، ويعلل إذا كان هناك في الحياة الأوروبية المسيحية فصل بين الدين والدولة على هذا النحو:

"إن المسيحية البدائية لم تجعل قيمة ما لحفظ كيان الدولة، ولم تحفل بالتشريع والإنتاج؛ بل إنها لم تفكر في أحوال المجتمع الإنساني قط ... ومن ثم فإما أن نتجه إلى أن نكون من غير حكومة، فنلقي بأنفسنا بين براثن الفوضى معتمدين، وإما أن نقرر أن تكون لنا عقيدة سياسية إلى جانب عقيدتنا الدينية"٢.

والإسلام كوحدة روحية مثالية لها مظهر خارجي واقعي أو مادي، يتضمن -في نظر "إقبال"- مبدأين أساسيين في معاونة الفرد والمجتمع على مسايرة التغير الحادث في العالم الواقعي، وهما:

- ختم الرسالة الإلهية.

- والاجتهاد في الأحكام.


١ المصدر السابق: ص١٧٩.
٢ المصدر السابق: ص١٩١.

<<  <   >  >>