حين أن عقيدة التوحيد مزية الإسلام، وآية على أنه الرسالة الكاملة الواضحة لخالق الكون في كونه، كما أنها الطريق السليم والوحيد إلى رفع شأن الإنسان وتكريمه؛ لأن صاحب هذه العقيدة لا يخضع في حياته لغير الله، ولا يتوجه في طلب العون إلى غير الله سبحانه وتعالى.
ولكن رينان يقول، متحدثا عن عقيدتي القدر والاختيار: المسائل الأساسية في كل دين هي التي ترتبط بالقدر، والمغفرة والحساب وهي كلمات ثلاثة مصبوغة بصبغة دينية تلقي في النفس الاعتقاد بوعورة المسلك في تفهمها. مع أنها من الأمور التي ينبغي الوقوف عليها والعلم بها مهما صعب منالها وتعذر مرامها. إن الدين هو الوسيلة التي تمهد للإنسان طريق الوصول إلى الحضرة الإلهية، أو بعبارة أخرى الواسطة في وقوف المخلوق بين يدي الخالق".
"إذا تقرر ذلك، فهل الخالق بقدرته المطلقة يودع في نفس المخلوق استعدادا للعمل بمقتضى إرادته السرمدية، بحيث لا يحيد عما تأمره به هذه الإرادة؟ أم للإنسان متى تم خلقه إرادة خاصة يعمل بحسبها، واختيار مستقل لا يستمد من اختيار أسمى منه؟ وهل للإنسان الذي خلقه الله وسواه إرادة مطلقة من نفسه وتصرفه مطلق في ذاته؟ أم تجرع جميع أعماله من خير وشر إلى القدرة الربانية القابضة على زمام الكون، والمسببة لوجوده فيه؟ ".
وفي دائرة هذا البحث، تنحصر الخلافات الدينية والفلسفية التي لم يوفق دين من الأديان ولا مذهب فلسفي إلى حسمها بكيفية يقتنع بها الإدراك ويرضاها العقل، ومع أن البحث فيها لإصابة هذا الغرض السامي لم يكن بالأمر الحديث، إذ طالما بحث فيها فلاسفة الأقدمين فلم يجدوا لها حلا، وكان حظهم منها كحظ فلاسفة المتأخرين وعلمائهم.
"وغاية ما عرف منذ الأعصر السابقة إلى الآن أنه وجد مذهبان تشاطرا فيما بينهما العقائد البشرية من تلك الوجهة المهمة: فالأول منهما يقول بتناهي الربوبية في العظمة والعلو وجعل الإنسان في حضيض الضعف ودرك الوهن، ويذهب الثاني إلى رفع مرتبة الإنسان وتخويله حق القربى من الذات الإلهية بما فطر عليه من إيمان وإرادة وبما أتاه من أعمال صالحات وحسنات.