للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"والنتيجة الطبيعية للاعتقاد بمذهب الفريق الأول هي: تحريض الإنسان على إغفال شئون نفسه وبث القنوط في فؤاده وتثبيط همته وإيهان عزيمته، بينما تسوقه نتيجة الاعتقاد بمذهب الفريق الثاني إلى ميدان الجلاد والعمل وتلقي به في غمرات التنافس الحيوي، ومن الأمثلة على الفريقين: البوذيون الذين يتدينون بدين يقضي عليهم بالتجرد. إذ من قواعده أن الإنسان والكون يفنيان في الذات الإلهية ... وقدماء اليونان الذي يدينون بدين من قواعده تشبيه الإله بالإنسان في أوصافه المادية، ويقضي عليهم هذا الدين بالعمل والحياة لاعتقادهم بأن الإنسان أو "البطل" يمكنه أن يصير في عداد الآلهة بحسناته وخيراته.

"وقد ظهرت على أطلال العالم القديم بعد خمسمائة عام من انقضائه ديانتان: إحداهما ربانية، والثانية بشرية، تمثلان ذينك المذهبين المتناقضين، ولكن بتلطيف في التناقض. أما الأولى "الديانة الربانية": في الديانة المسيحية الوارثة بلا وساطة آثار الآريين١ والمقطوعة الصلات بالمرة مع مذهب السامية وإن كانت مشتقة منه وغصنا من دوحته، ومن خصائص هذه الديانة "المسيحية" ترقية شأن الإنسان بتقريبه من الحضرة الإلهية، على حين أن الديانة الثانية "البشرية" وهي الإسلام، المشوبة بتأثير مذهب السامية، تنحط بالإنسان إلى أسفل الدرك وترفع الإله عنه في علاء لا نهاية له.

"هذان الميلان المختلفان يظهران ظهورا واضحا في الاعتقاد الأساسي لكلتا الديانتين: وهو أصل الألوهية، أما المسيحي: فيذهب في الأصل إلى الثالوث أي: إن الإله الأب أوجد الإله الابن واتصل الاثنان بصلة هي روح القدس، وعليه فكون يسوع المسيح إلها وبشرًا..هذا الثالوث السري، المشتقة أصوله من ضرورة إله بشري يمحو ذنب الجنس البشري ويفديه من الخطيئة التي اقترفها: يرفضه المسلم الذي يعتقد بوحدانية الرب، ويتمسك بهذا الاعتقاد تمسكا شديدًا حيث يقول: لا إله إلا الله!!

"غير أن إدراك المسيحيين من هذا القبيل هو أخف وأعلى وأجلب للثقة، إذ هو يحملهم على إتيان الأعمال التي تقربهم إلى الله حيث الوسائط بينهم وبين ذاته العلية موصولة، في حين أن المسلمين تجعلهم ديانتهم كمن


١ أليست البوذية ديانة الآريين؟

<<  <   >  >>