وعن طريق الكليات المختلفة -في دائرة ما يسمى بالكليات النظرية والعملية- التي تتكون منها جامعة الأزهر بناء على هذا القانون، يستطيع الطالب المتخرج فيها أن يمارس نشاطه الإنساني والإسلامي معا، بحيث يكون ذا مهنة يؤديها في المجتمع، وفي الوقت نفسه صاحب دعوة إلى الإسلام بسلوكه الشخصي وبسلوكه في مهنته، وبدعوته بالقول كذلك. وهو في دعوته عندئذ لا يكون محترفا بها، وإنما يدفعه إليها إيمانه بقيمة الرسالة الإسلامية التي كشفت له عنها جوانب المعرفة التي درسها في كلية من كليات هذه الجامعة، وهو عندئذ أقرب إلى أن تكون دعوته إلى الله وفي سبيل الله, لله خالصة، دون أن يشرك في إخلاصه لله في دعوته غاية أخرى هي تحصيل الدنيا, وتحصيل متعتها عن طريق هذه الدعوة نفسها.
وإذا استطاعت جامعة الأزهر بوضعها الذي قصد إليه القانون أن تحقق الغاية المرجوة منها, فسيكون هناك طراز آخر من المتخرجين في الأزهر، يعرف المجتمع الذي يعيش فيه كما يعرف المجتمع المعاصر، وما يسيطر عليه من اتجاهات مذهبية إنسانية عديدة، كما يشعر في نفسه بحرارة الإيمان برسالة الإسلام بعد أن وضحت له جوانبها وقيمتها أثر الموازنة التي تتكون حتما في نفسه، بعد وقوفه على ما للإنسان من معرفة متغيرة، وما لله من رسالة خالدة، وفي هذا الوقت يكون الإيمان بالله وبرسالته هدفه الأعلى في الحياة الذي يجب أن يسعى إليه دون أن تشوبه شائبة أخرى تضعف من شأنه، أو تعوق فاعليته على الإنسان في سلوكه وفي تفكيره.
وإذا وصل أمر المتخرج في جامعة الأزهر إلى هذا الوضع، فالأمل كبير في أن يعيد الداعية إلى الله وإلى الإسلام وضع أصحاب الدعوة الأولين، الذين قادوا الإنسانية وأخرجوها من الظلمات إلى النور، وساد مجتمعهم بالرسالة، كما سادوا هم على أنفسهم وفي مجتمعهم بالتقوى وبالإيمان.
ومجتمعاتنا الإسلامية كي تتم نهضتها، وكي يتم بعثها، في حاجة ماسة إلى ريادة قوية، تستمد قوتها من الفهم الصحيح ومن الإيمان، وهي إذا احتاجت إلى "العلم" واحتاجت أيضا إلى "الصناعة" لتوفير وسائل العيش ولدفع حاجة المحتاج ومرض المريض، فإنها أكثر احتياجا إلى ما يرفع ذلة المستضعف، ويدفع عنه خوف الإقدام في الحياة ليحقق السيادة الذاتية، وسيادة المثل الإنسانية والقيم في الحياة البشرية، والريادة السليمة -كما أشرنا- التي تقوم على وعي قوي وفهم سليم لرسالة الإسلام، هي ذلك العامل الذي يرفع وحده ذلة المستضعف وخوف الخائف