للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن المقابلات والمشابهات خداعة للغاية!! إنها لا تكون بالضرورة دليلا علميا على نسبة كتابين متشابهين، إذ يعوزهما التدليل على الاقتباس الواعي من اللاحق للسابق، وقد يجوز أن يكون كلاهما ناقلا عن مصدر ثالث مشترك.

والحق أن الباحث الذي نظر إلى الكتاب المقدس والقرآن على أنهما وثائق إنسانية، قد ينزع بمنطق سليم إلى تتبع بعض ما جاء فيها من آثار التراث الفعلي المبكر للشرق الأدنى، وعلى أية حال يحتاج إثبات الاقتباس السامي الفعلي بالضرورة إلى شواهد أكثر إقناعا مما جرى عرضه حتى الآن.

إن فيكو Vico هو الذي قال: إن الأفكار تنتشر عن طريق استكشاف كل أمة -أو ثقافة- مستقلة عن غيرها لاحتياجاتها في أية مرحلة من مراحل تطورها١. ولقد قال أحد المستشرقين البارزين نفس القول مع تعزيز بتوضيح, إذ يؤكد أن الثقافة المستعيرة -في حالتنا التي نعالجها الآن النظام الديني- لا بد أن تحس هي نفسها حاجتها خلال تطورها الداخلي إلى غذاء من الخارج وكل ما تستعيره في هذا السبيل لن تنتفع منه إلا إذا استند إلى هذه العناصر من الثقافة القومية -أو من الدين التي تطلبت الاستعارة والثقافة الحية أو الدين- ترفض تلقائيا كل العناصر الدخيلة التي تتعارض مع قيمتها الأساسية٢.

وكاتب هذه السطور لا يرى فيما أريق من مداد سود صحائف المجلدات المتعددة عن "أصول" origins الإسلام دليلا مقنعا بالمعنى التاريخي,


١ R. G. Collingwood, the Idea of History Oxford ١٩٥١, ٦٩, ٧١.
٢ H. A. R. Gibb, "the inbluence of Islamic Culture on Medieval Europe" in the Bulletin of the John Rylands Library Manchester, XXXVIII, ١٩٥٥-٦. ٨٥: ٧٠.

<<  <   >  >>